ـ قال سيدي أبو الحسن الشاذلي قدس الله روحه: من لم يتغلغل في علم القوم مات مصرّا على الكبائر وهو لا يشعر.
ليسوا مخطئين من قالوا: حكم التّصوّف الوجوب. فلا يخرج من هذه الورطة إلاّ التصوّف، فالصّوفي الحقيقي لا تجد عنده إلحادا ولا حلولا ولا شركا خفيا فضلا عن الشرك الجليّ.
ومن قال: أنّ عصاي هذه مثلا أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل ولا تقبل توبته، ومن عنده شكّ في هذا الحكم فليراجع كتاب الشّفاء في تعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض.
الله يرحمك يا الشيخ المداني ويرحمكم يا رجال التّصوّف فلو أنّ ما في التّصوّف إلاّ تنظيف القلب من الشرك لكفى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}(48 النساء) غير أنّه سماحة وأخلاق وصلة ومحبّة...
يقول سيدنا الشيخ رضي الله عنه : من يقول من الفقراء ماذا حصّلت من الطريق فليجلس مع العامّة وينظر مقدار إيمانه معهم.
ـ الجائر هو المتصرّف في ملك الغير عندنا أهل السّنّة.
الذّات الشريفة اتّفقوا على قدمها أمّا الصّفات فقدمها تابع لقدم الذّات ومثل الصفات القدرة والإرادة والعلم والبقاء... فهي متعلّقات بالذّات ولا شيء زائد عن الذّات.
كلّ من أثبت شيئا قديما غير الله فهو كافر .
إذن من عرف الذّات حقّا ثم نسب إليها الجور فهذا كافر لأنّه نسب إليه شيئا لا يليق به من بعد علم، أمّا إذا لم يعرف الأصل فهو جاهل يحكم عليه بالفسق لا بالكفر. هل من ينظر إلى فوق ويقول ’’يا ربّ‘‘ كافرا بناءا على أنّه جعل له وجهة ، لا بل على جهل لا يؤدّي للكفر ولو تبحث فيه لتجده صافي...
الإجتهاد في الأصل فيما يخصّ الألوهية من المبتدعات وهي لا تجوز.
والإجتهاد في الفروع جائز، ومن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد.
ـ أهل التوحيد منهم العارف ومنهم الموحّد ومنهم المقلّد.
العارف: لا يتصوّر فيه الخلاف تماما إذا لم يصل لمعرفة الحقيقة لا يقال فيه عارف وليس في المسألة اجتهاد، فالعارفون كلهم وصلوا حقّ اليقين وهي بدون اجتهاد ولا يختلفون فيها أبدا لأنّهم عرفوا الأصل بالمشاهدة والعيان.
الموحّد: هو الذي اتّصل بعلم اليقين فيما يخصّ الذّات وما يتعلّق بها من صفات وقد وصل للجزم المطابق بالدّليل والبرهان وأعطى حقيقة الوحدانية لسائر الصّفات، وهؤلاء الموحّدون عرفوا الأصل معرفة ناشئة عن الدليل والبرهان ولا خلاف عندهم، ولكن {لا يكلّف اللّه نفسا إلاّ وسعها لها ما كسبت وعليها ما اُكتسبت} (286 البقرة ).
المقلّد: هذا هو الذي وقع فيه الخلاف فمنهم من يجيز التقليد ومنهم من يمنع التقليد ويبحث عن أسباب الوصول للمعرفة. والقائلون بالتقليد اختلفوا على سبعة في هذا التقليد وعلى أيّ شيء مبني والخلاصة إن قلّدوا الكتاب والسّنّة فهذا يقبل بدون منازع وهو مؤمن، ومنهم من يقلّد صاحب الرّأي فإن رجع المقلَّد لا يرجع المقلّد ويرجّح الاكتفاء بالتقليد والبقاء عليه سواء كان الكتاب والسنة أو غيرهما، ويقبل منه بشرط أن يكون جازما بما قلّد فيه .
والتوحيد كما نرى هو متوارث أب عن جدّ والأصل المعني هو معرفة الذّات الإلاهية إمّا عن مشاهدة وعيان أو معرفة مبنية على علم يقيني كالأخذ عن العلماء بالدليل والبرهان وما عداهم فهم مقلّدون.
ومن عرف الأصل حقيقة عرف ما يلزمه وما يجب له وما يستحيل عنه وهذا بدون تلقين، فإذا وصل عرف الألوهية وعرف كلّ متطلّباتها، والتصريح من هؤلاء يكون صافيا لا لبس فيه موافقا لظاهر الشرع إلاّ ما يكون من حالات شاذّة كتصريحات البعض منهم الحلاّج حينما قال: ’’معبودكم تحت قدمي، وما في الجبّة إلاّ الله‘‘ فهذا شبّه الأصل ولا يمكن الحكم عليه بمجرّد اللفظ ولكن لزم البحث معه ولو بحثنا معه لظهرت براءته وحفظ القضاء الإسلامي من ورطة الظلم والخطأ وأفادنا بعلم جديد.
أوّل واجب على المكلّف النّظر الموصّل للمعرفة وهذا الأرجح لأنّه جاء به القرآن قال تعالى:
{قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ}(101 يونس)
{إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ}(6يونس)
{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}(21 الذاريات)
النّظر للصّنعة موصّل للصّانع.
قال سيدي ابن عطاء اللّه: الفكرة سير القلب في ميدان الأغيار، الفكرة سراج القلب فإذا ذهبت فلا إضاءة له، الفكرة فكرتان: فكرة تصديق وإذعان وهي لأرباب الاعتبار المستدلين بالصفة على الصانع وبالمخلوق على الخالق أخذاً من قوله سبحانه وتعالى:
{قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(101 يونس)
وقوله تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ}(53 فصلت)
وفكرة أهل شهود وعيان وهم الذين عرفوا الصنعة بالصانع وشهدوا الخلق بالخالق استمداداً من قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (53 فصلت)
ـ كفر الفلاسفة بقولهم ـ أنّ العالم قديم، أنّ الأجسام لا تبعث بعد البـلاء، وأنّ النعيم في الجنّة معنوي.
والذين قالوا بالحلول هم يعتقدون أنّ الذّات تحلّ في الأشخاص كما زلّ النّصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام البحث في الموضوع دقيق والواجب فيه التحقيق.
إنّ السّلامة من سلمى وجارتهـا ألاّ تحـلّ على حـال بـواديـهـا
ـ الصوفية تُثبت الرؤيا لله بدون نزاع، يوم القيامة يتجلّى الله سبحانه وتعالى للمؤمنين فيشاهدون الحقّ ولكن بلا كيف ولا حصر قال أبو هريرة رضي الله عنه : قلت: يا رسول الله، وهل نرى ربنا؟ قال: ’’نعم هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟‘‘ قلنا لا، قال:’’كذلك لا تتمارون في رؤية ربكم‘‘. (رواه الترمذي وابن ماجة)
وحينما سألوه صلى الله عليه وسلم عن رؤية الله تعالى في الدّنيا قال: ’’نور أنّى يرى‘‘* فهي أمور فوق العقول. فثمّ وراء النقل علم يدقّ عن أصحاب العقول السليمة، ولهذا زلّت أقدام من خاض في تصريحات بعض الصوفية كقولهم: خضنا بحارا وقف الأنبياء على ساحلها، فيأتي آخر فيكفّره، أنظر خوضه في مقالة الصوفي فحينما يقف موقفه يعرف معنى مقالته والحكم على الشيء فرع تصوّره.
ـ من أنكر شيئا معلوما بالضرورة من الدين فهو كافر.
ومن لـمعلـوم ضـرورة جحـد من ديننـا يقـتـل كفـرا ليـس حـد
توضيح لقول "خضنا بحارا وقف الأنبياء على ساحلها"