●۩۩●بسم الله الرحمن الرحيم●۩۩●
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه حمداً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه
والصلاة والسلام على من أدى الأمانة ، وبلغ الرسالة ، ونصح الأمة ، وكشف الله به الغمة ، وتركنا على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولا يتبعها إلا كل منيب سالم ... سيدي يا أبا القاسم يارسول الله .. صلت عليك ملائكة الرحمن .. وصل ضيائها لسائر الأكوان ، لما أتيت إلى الوجود مزوداً بهدي السنة وعظمة القرآن.. صلى الله عليك يا حبيبي وعلى آلك وأصحابك أجمعين
،،،، أمــــــــا بــــــعــــــــــــــد
إن من أكبر المسائل التي قام حولها جدل فكري كبير ، مسألة التصوف ، وأصوله
ومؤيداته الشرعية ، وطرقه وأهدافه . ولم يتوقف هذا الجدل عند عصر معين ، بل
استمر عبر عصور الفكر الإسلامي ، فكان في كل عصر ، بين مؤيد ومنكر ، ومناصر
ومعارض ، ومتعصب ومتحامل .
والعجيب أنك تجد بين الفريقين مخلصين للحق ومتجردين له ، ومع ذلك لم يوصلهم
اخلاصهم إلى نقطة واحدة يجتمعون عليها ، بل على النقيض ، كلما أوغل كل منهما في
محبته ازداد بعدا وتناقضا ، فكيف حصل هذا ؟ ومريد الحق لابد أن يصل اليه !!! .
قال الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر جوابًا عن هذا التساؤل في تقديمه لكتاب
"التعرف لمذهب أهل التصوف" لأبي بكر الكلاباذي: (إن أمر التصوف في الواقع ليس
أمر جدل أو أخذ أو رد ، وإنما هو تعرف ، والتصوف تجربة ، والتجربة شعور ،
والشعور ليس منطقا ولا برهانا ، إنما هو تعرف ، وقديما قالوا : من ذاق عرف ،
وبالتالي فإن من لم يذق لم يعرف .
إعلم أخي المسلم الموّحد أن التصوف جليل القدر، عظيم النفع، أنواره لامعة، وثماره يانعة، فهو يزكي النفس من الدنس، ويطهر الأنفاس من الأرجاس، ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن، وخلاصته اتباع شرع الله، وتسليم الأمور كلها لله، والالتجاء في كل الشئون إليه مع الرضى بالمقدّر، من غير إهمال
.في واجب ولا مقاربة لمحظور
إن التصوف منهج ومنهل ومشرب روحي ، فـهو مقام الإحسان الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
وقد أطلق اصطلاح التصوف على الزهاد ، والفقراء ، والعباد والملهمين ، والمحدثين ، وأهل العزلة ، وأهل الصمت ، وأهل الخلوة ، وأهل الذكر ، وأهل الإرشاد ، وأهل المناجاة
وأيضاً قيل عن التصوف أنه
"التخلى عن كل دَنِي ، والتحلى بكلى سَنّي سلوكاً إلى مراتب القرب والوصول ، فهو إعادة بناء الإنسان ، وربطه بمولاه فى كل فكر ، وقول ، وعمل ، ونية ، وفى كل موقع من مواقع الإنسانية فى الحياة العامة "
: ويمكن تلخيص هذا التعريف فى كلمة واحدة ، هى
((الـتـقـــــــــوى))
فى أرقى المستويات الحسية ،والمعنوية ، والروحية والروحانية.
فالتقوى عقيدة وخٌلق ، فهى معاملة الله بحسن العبادة ، ومعاملة العباد بحسن الخلق ، وهذا الإعتبار هو ما نزل به الوحى على كل نبي مرسل، وعليه تدور الحقوق الإنسانية الرفيعة فى الإسلام
:وروح التقوى هو (التزكي) ..قال تعالى
"قد أفلح من زكاها"
الأعلي الآية14
و ( قد أفلح من زكاها) سورة الشمس آية9
وبهذا المعنى تستطيع أن تستيقن بأن التصوف قد مُورس فعلاً
....فى العهد النبوى ، والصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم
وقد امتاز التصوف بالدعوة ، والجهاد ، والخلق ، والذكر ،والفكر ، والزهد فى الفضول ، وكلها من مكونات التقوى
(أو التزكى)
وبهذا يكون التصوف مما جاء به الوحى ، ومما نزل به القرآن ،
.ومما حثت عليه السنة ، فهو مقام ( الإحسان ) فيها
كما أنه مقام التقوى فى القرآن والإحسان فى الحديث : مقامُ الربانية الإسلامية ، قال تعالى :
( كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب بما كنتم تدرسون )