إخوانَنا في الله وَرَسولِه، السادةَ الأفاضلَ بحاضرة صفاقسَ، أيَّدَكُمُ اللهُ، وَحَفظَ منَّا وَمنكم الظَّاهرَ والبَاطنَ، والسَّلامُ عَلَيكم وَرَحمَةُ اللهِ والبَرَكَة.
أمَّا بعدُ،
فَقَد تَشَرَّفتُ برسالةٍ مِن قَلَم أَخيكم سيِّدِي الهَادي دَريرَة [1]، فَحَمَدت اللهَ تَعَالَى عَلَى حُسْن جِدِّكُم واجتهَادِكم وَمَحَبَّتكم وارتِبَاطِ قُلوبِكم على مَحَبَّة بَعضكم أولاًّ، ثمَّ عَلَى مَحَبَّة الله وَرَسولِه ثَانيًا، وهكذا شأْنُ أَهْلِ الله، وسيرتُهُم التي عَرَفنَاهَا وقرأنَاهَا.
وأنَا أزيدكم وَنَفسي نصيحةً مادُمتُ في هاته الحَيَاة، وما وَجَدتُ إلَى ذَلكَ سبيلاً “والدّينُ النَّصيحةُ” [2] . وَأعلَى نَصيحةٍ وَأغلاهَا في طريق القَومِ، أو نَقولُ في الإسلام، هيَ خَفضُ الجَنَاح للإخوانِ، أَهلِ الطَّريق، أو نَقول للمُؤمنينَ بحَيْثُ لاَ يَرَى المُنتَسبُ أنَّ لَه حَقًّا عَلَى إخوَانِه كَيفمَا كَانَ لَقبُهُ فِي الطَّريق: شيخًا أَو مُقَدَّمًا، أَو شاوشًا أو فَقيرًا. “فَكلُّهُم كَأسنَان المُشْطِ”.
إنَّمَا عَلَى الفَقير أَو نَقول عَلَى المُنْتَسِبِ أَنْ يَقوم بوَاجِبِ خِدمَة إخوَانِه بدون أن يُرَاعيَ هَل قَاموا بواجبه أَمْ لاَ. واعتَبرُوا قَولَه تَعَالَى لنبيِّهِ عَلَيه الصَّلاَةُ وَالسَّلام:“وَاخْفضْ جَنَاحَكَ لِمَن اتَّبَعَكَ منَ المؤمنين [3]” / “وَقُلْ عَسَى أنْ يَهديَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا” [4] . فَقد أمَرَه أوَّلاً بخفض الجَنَاح لتَابعيه فَيقضي حَقَّهم وَيُؤَدِّي مَا لَهم عَلَيه حتَّى سَمَّى نَفسه خادمًا صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّم فقال:“سَيِّدُ القَوم خَادِمُهُم” [5] ، قَالَهَا وَهو يَخْدِمهم بالفِعل.
ثمَّ إنَّ اللهَ أمَرَه أَن يَتَرَجَّى الهدايةَ لمَا هو أقرَب مِن مَرتَبَة القِيام بالوَاجب وَخفضِ الجَنَاح، فَافهَموا واعتبروا، بَاركَ الله فيكم. وإيَّاكُم والدَّعاَوي فَإنَّهَا تَذهَب ببَهجَة المُنتَسب وَتَرمي به في مَهَاوي الغَرَرَ. فَلاَ يَقولُ المُنتَسب: أَنَا وَأنَا، فَإنَّهَا أَمرَاضٌ قَاتلةٌ. وَقد قالوا: “عَاشَ مَنْ عَرفَ قَدره وَجَلَسَ دُونَه”، فإذَا جَلَسَ مَع قَدره أَو فَوقَه فَقَد هَلَكَ، حَفظَنَا الله وإيَّاكم.
وإنِّي أكتُب لَكم هَاته الجملةَ الذَّهبيَّةَ التي كَتَبَها لي أستاذي، رَضِيَ الله عَنه، في بعض الرَّسَائِل وَهي: “وَقُم بِحقوق إخوَانكَ مَا أمكنَكَ، ولاَ تَتَوَقَّفْ عَلَى عَدَم قيامِهم بِحَقِّكَ، لِئَلاَّ يَطرَأَ عَليكَ مَا يَقضي عَلَى عَزْمِكَ، وَأنتَ تَرَى مَا أنَا عَلَيه مَع إخوَانكَ فَي مُستغانم، سَامَحَهم اللهُ، وَكلَّمَا طَرأَ عَلَيَّ عَدمُ قِيامِهم بحقِّي طَرَأَ عَلَيَّ عدمُ قيامي بحقِّ أستاذي، فَضلاً عَن حُقُوقِ الله، فَنقولُ ولَعَلَّه كَانَ ذَلكَ جَزَاءً وِفَاقًا”وَما رَبُّكَ بظلاَّمٍ للعَبيد " [6] .
هَاته جملةٌ من حِكَم مَولانَا الإمامِ، كَتبتهَا لَكم لتكونَ، إنْ شَاءَ اللهُ، دَوَاءً نَافعًا، ومَرْهَمًا نَاجعًا، واللهُ وَليُّ التَوفيق، وَمَا تَوفيقي إلاَّ باللهِ، عَلَيه تَوَكَّلتُ وإلَيه أنيبُ.
بَلِّغُوا أتمَّ سلاَمي إلَى كلِّ فَردٍ منَ سادتنا أهلِ النَّسبَة، كَمَا يُسَلِّم عَلَيكُم جَميعُ إخوَانِكم بالزاوية،
وَالسَّلاَمُ مِن كَاتِبه، العَبد الضَّعيف مُحَمَّد المَدَنيّ العلاوي،
وَكُتِبَ يومَ الأربعاء عام 1368للهجرة.
[1] من فقراء صفاقس، ولد 18 أكتوبر 1916 وتوفي في 5 أفريل 1980. انتسب الى الطريقة المدنية 1940.
[2] رواه الإمام مسلم، 55.
[3] سورة الحجر، 88. سورة الشعراء، 215.
[4] سورة الكهف، 24.
[5] المواهب اللدنية بشرح الزرقاني،4. ص. 117-118
[6] فصلت، 46.