من كتاب :
بغية السالكين ومنهج العارفين
من مذاكرات الشيخ الأستاذ إسماعيل الهادفي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه ،
بســــم الله الرحمــــن الرحيــــم
المذاكرة الولى : التصوف في رأي العلماء
بسم الله الكريم المنان ونحمده تعالى على جميل تكرمه بأن هدانا وأهدانا رسولا هو رحمة وقدوة لأولنا وآخرنا صلى الله عليه وآله وسلم في كل وقت وحين، أما بعد :
لقد جهل بعض الناس رسالة التصوف أو الصوفية فعابوها وأنكروا عليهم مسلكهم ظلما وزورا وجهلا وغرورا ولا عجب فالناس أعداء ما جهلوا فمن قائل أن الصوفية قوم كسالى متواكلون، ومن قائل أنهم جهلة مبتدعون، وكل هذه المعتراضات بعيدة عن الصواب ولعل المعترضين حكموا حكمهم الجائر متأثرين ببعض أدعياء التصوف من الجهلاء الذين لا يدرون شيئا عن التصوف الحق القائم على الكتاب والسنة.
ومع الاسف الشديد فقد تعرض التصوف لهجمات وإنتقادات عنيفة عمياء من قبل بعض الذين ينعقون وراء أعداء الإسلام ويريدون تهميش الجانب الروحي من الدين، والذين أنتحلوا لانفسهم صفة المدافعين عن السنة، الأمر الذي يجعلني ابدي لهم أراء بعض السادة العلماء في التصوف فأبدأ بأئمة المذاهب الأربعة :
- الإمام أبو حنيفة النعمان:
نقل عنه رضي الله عنه انه رفع إليه سؤال عما يفعله بعض الصوفية في الحضرة وما يتظاهرون به هل صادقون أم كاذبون فأجاب : " إن لله رجالا يدخلون الجنة بدفوفهم ومزاميرهم " .
- الإمام مالك ابن أنس:
مما ذاع وآنتشر عنه رضي الله عنه قوله :" من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق" .
- الإمام الشافعي :
مما علم من سيرة الإمام الشافعي رضي الله عنه انه كان يجالس الصوفية ويلازمهم ويحترمهم فقيل له في ذلك فقال : آستفدت من مشايخ الصوفية ما لم نستفد من غيرهم قولهم " الوقت كالسيف إن لم تقطعه بالعمل قطعك بالأمل " وقولهم " أشغل نفسك بالخير فإن لم تشغلها بالخير شغلتك بضده " .
- الإمام أحمد ابن حنبل :
كان رضي الله يحث ولده على الإجتماع بالصوفية ويقول أنهم بلغوا في الإخلاص مقاما لم نبلغه.
- العلامة سفيان الثوري :
قال رضي الله عنه : " أعز الخلق خمسة أنفس: عالم زاهد ، وفقيه صوفي، وغني متواضع ، وفقير شاكر ، وشريف سني " .
- العلامة أبو إسحاق الشاطبي :
قال رحمه الله :" إن الصوفية الذين تنسب إليهم الطريقة مجموعون على تعظيم الشريعة مقيمون على متابعة السنة غير مخلين بآدابها أبعد الناس عن البدع وأهلها ولذلك لا نجد منهم من ينتسب إلى فرقة من الفرق الضالة ولا من يميل لهم " .
وقال أيضا : جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه وفضلهم على الكافة من غير تمييز بعد الأنبياء والرسل" .
- العلامة أحمد زروق :
قال رضي الله عنه : " التصوف طريق أنتجها الصالحون من أولياء الله وظهرت نتيجتها في كثير من عباد الله وآشتملت على رجال قاموا بأحكام الشريعة وآداب الحقيقة وتعلقوا بأسماء رب العالمين وتخلقوا بأخلاق سيد المرسلين آثارهم حميدة وملاقاتهم سعيدة ترغب الملائكة في خلتهم وتشتاق الأنبياء لرؤيتهم كتاب الله مطرز بالثناء عليهم وبشائر السنة كلها تشير إليهم عند ذكرهم تنزل الرحمات وبسبب وجودهم ترفع النقمات " .
ومما قاله الشيخ زروق أيضا : نسبة التصوف من الدين كنسبة الروح من الجسد لأنه مقام الإحسان الذي فسره رسول الله صل الله عليه وآله وسلم لجبريل عليه السلام بقوله : " ان تعبدالله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك " .
- قال الشلبي رضي الله عنه :
الصوفي منقطع عن الخلق بالحق لقوله تعالى : ( وآصطنعتك لنفسي ) وقال أيضا : " الصوفية أطفال في حجر الحق " .
- وقال الغزالي رضي الله عنه :
التصوف فرض عين اذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام " .
- وقال الشاذلي رضي الله عنه :
من لم يتغلل في علمنا هذا مات مصرا على الكبائر وهو لا يشعر" .
- وقال الصقلي رضي الله عنه :
" كل من صدق بهذا العلم فهو من الخاصة وكل من فهمه فهو من خاصة الخاصة وكل من عبر عنه وتكلم فيه فهو النجم الذي لا يدرك والبحر الذي لا ينزف " .
- وقال السيوطي رضي الله عنه :
نسبة التصوف من العلوم كعلم البيان مع النحو يعني هو كمال فيها ومحسن لها .
- العلامة المحقق ابن خلدون :
" قال رحمه الله في مقدمته عند تعريفه الصوفية أن طريق هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، طريق الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والإنقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيها ، فيما يقبل عليه الجمهور من لذة وجاه ، والا نفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف ، ثم فشى الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا فاختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة " .
- العالم الإجتماعي الكبير فريد وجدي :
قال : " التصوف مذهب ، الغرض منه تصفية القلب من غير الله والصعود بالروح منه تصفية القلب من غير الله والصعود بالروح إلى المكانة الرفيعة بإخلاص العبودية لله والتجرد عما سواه " .
إذا تقرر هذا فآعلم أن الجنون فنون ، وأن أقبح فنونه جنون هؤلاء الذين يدعون العلم وما هو الا من قبيل العلم الغير النافع وهؤلاء الذين ظهروا في هذا الزمان جعلهم الشيطان ملعبة فحملهم على دعوى الإجتهاد وأخذ الأحكام من الكتاب والسنة بدون رأي أئمة الدين وصاروا يقولون : هم رجال ونحن رجال ، وأين هم من أقوال الرسول صل الله عليه وسلم الدالة على أفضلية السابقين من المسلمين عامة والعلماء خاصة فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " خير امتى قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته " .
وفي هذا كفاية لمن شهدت له الآية :
( إن في ذلك لذكرى لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )
والسلام عليكم ورحمة الله.