بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن وآلاه
بقلم: د. يوسف الشراح
نسمع بين الحين والأخر من ينادي بأن التصوف كله أباطيل وأن الصوفية طائفة زائغة عن الإسلام وإنهم أعداء هذا الدين، وان اصل معتقداتهم يونانية أو هندية أو مسيحية... ويستنكر هذا الاتهام د. يوسف الشراح الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مؤكد أن التصوف هو صفاء النفس وامتلاؤها بالفكر، وأن سلوك الصوفيين أقرب الطرق وأوسعها إلى الله تعالى.
وأكد د. الشراح في حواره لـ " الأنباء " أن الكرامة ثابتة للأولياء وأن من يتهم الصوفية وسلوكهم في التبرك والاستغاثة هو من خلط الحق بالباطل، وأن إلقاء التهم اعتباطاً ليس من خلق المسلم
وقال ( إذا أردنا معرفة الحقيقة الصوفية فلنسمع إلى رأي الصوفية أنفسهم ورأي بعض من يدعي مخالفتهم ومحاربتهم)
.
مؤكداً أن ابن تيمية لم يعاد التصوف بإطلاق بل كان ينكر ما لا يوافق الكتاب والسنة ولم يكن مأثوراً عن أحد من السلف مشيراً إلى أن ثواب قراءة القرآن إلى الميت تصل إليه، وأن صلاة النصف من شعبان جائزة، ودفاعه عن الصوفية بإثبات أدلة الأمام ابن تيمية، وفيما يلي نص هذا الحوار :
بداية ما هو تعريف الصوفية؟ ولماذا يقول البعض أنها أباطيل؟
الصوفية ما هي إلا طائفة إسلامية مثل بقية الطوائف الإسلامية كالمحدثين والفقهاء والأصوليين والمؤرخين، فيهم الصالح والطالح، والصحيح والفاسد والمصيب والمخطئ ولا يصح أن ننسب إلى أي طائفة من هؤلاء الطالح والفاسد والمخطئ فقط. فعندما يقال الصوفية فإننا نعرف أن المراد بهم أمثال الفضيل بن عياض، ومعروف الكرخي، وبشر الحافي وعبد القادر الجيلاني والجنيد وغيرهم كثير ممن سطرهم على سبيل المثال يراع الأمام أبي نعيم في كتابه " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " ولا يراد بالصوفية أولئك الدجالون المخرفون المخالفون للكتاب والسنة، الذين دخلوا على التصوف فأفسدوه. لذلك وجب عدم خلط الأوراق بعضها من بعض فالعدل مطلوب مع الموافق والمخالف، وهو الأمر الذي طلبه منا الله في محكم تنزيله بقوله " يا أبيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط " فالعدل مطلوب مع العدو الكافر، وإلقاء التهم اعتباطا ليس من خلق المسلم.
الصوفية أسم جامع
وماذا يقول الصوفيون في أنفسهم؟
الجنيد- رحمه الله – سيد الطائفة البغدادية من الصوفية، كما يعتبره ابن تيمية وغيره، وقد سئل عن التصوف فقال: " التصوف اسم جامع لعشرة معان: التقلل من كل شئ في الدنيا عن التكاثر فيها، والثاني: اعتماد القلب على الله عز وجل من السكون إلى الأسبات، والثالث: الرغبة في الطاعات من التطوع في وجود العوافي، والرابع: والصبر عن فقد الدنيا عن الخروج إلى المسألة والشكوى، والخامس: التمييز في الأخذ عند وجود الشيء، والسادس: الشغل بالله عز وجل عن سائل الأشغال، والسابع: الذكر الخفي عن جميع الأذكار، والثامن: تحقيق الإخلاص في دخول الوسوسة، والتاسع: اليقين في دخول الشك والعاشر : السكون إلى الله عز وجل من ألإطراب والوحشة فإذا استجمع هذه الخصال استحق بها الاسم إلا فهو كاذب .
هذا هو التصوف الذي نعرفه من هذا الفن وهو صفاء النفس من الكدر، وخلاصها من الكفر، وامتلاؤها من الفكر، وتساوي الذهب والحجر عندها.
ما يوافق الكتاب والسنة
وما الفرق بين مصطلحي الفقير والصوفي؟
أجاب عنه ابن تيمية بعد بيان مصطلح المتقدمين والمتأخرين كما في مجموعة فتاويه 11/70 قائلا: " وأما المستأخرون: فالفقير في عرفهم عبارة عن السالك إلى الله تعالى، كما هو الصوفي في عرفهم أيضا والتحقيق بأن المراد المحمود بهذين الأسمين داخل في مسمي الصديق والولي والصالح ونحو ذلك من ألأسماء التي جاء بها الكتاب والسنة، وأما ما يقترن بذلك من ألأمور المكروهة في دين الله من أنواع البدع والفجور فيجب النهي عنه كما جاءت به الشريعة، فالتصوف عند أبي تيمية هو السلوك إلى الله تعالى، وهذا الاسم داخل في الجملة في مسمي الصديق والولي والصالح، وأن الإنكار لا يكون هذا الاسم بل على ما يقترن به من أفعال منكرة تخالف ما جاء به الشريعة الإسلامية.
ونظرة سريعة إلى كتاب " مدارج السالكين " لابن القيم – تلميذ ابن تيمية – تبين لنا الفرق الشاسع بين التصوف وأهله الثناء عليهم، باعتبار تصوفهم هو سلوك أقرب الطرق وأوسعها إلى الله تعالى، وبين التصوف باعتبار التطرف والمتطرفين من أصحاب الشطحات والدجالين ومن يدعي الحلول والاتحاد ممن انتسبوا إلى التصوف.
حال الصحابة
عند بعض الصوفية ما يسمي بالأحوال والغناء والسكر فما هي وماذا تعني؟
قال أبن تيمية في مجموع فتاويه 11 (9 – 2) مراتب الناس وما يحصل لديهم من هذه الأحوال قال: حال المؤمن التقي الذي فيه ضعف عن حمل ما يرد على قلبه، فهذا الذي يصعق صعق موت أو صعق غشي فما يرد على القلوب مما يسمونه السكر والغناء ونحو ذلك من الأمور التي تغيب العقل بغير اختيار صاحبها فإنه إذا لم يكن السبب محظور لم السكران مذموما، بل معذوراً، وقد يحصل بسبب سماع الأصوات المطرية التي تورث مثل هذا مذموم لأن سببه محظور، وقد يحصل بسبب سماع الأصوات المطربة التي تورث مثل هذا السكر، وهذا أيضا مذموم فإنه متي أفضى إليه سبب غير شرعي كان محرماً، وما يحصل في ضمن ذلك من لذة قلبية أو روحية ولو بأمور فيها نوع من الإيمان فهي مغمورة بما يحصل معها من زوال العقل وقد يحصل السكر بسبب لا فعل للعبد فيه كسماع لم يقصده يهيج قاطنه ويحرك ساكنه ونحو ذلك، وهذا ل يلام عليه فيه ما وما صدر عنه في وما صدر عنه في حال زوال عقله فهو فيه معذور، لأن القلم مرفوع عن كل من زال عقله بسبب غير محرم. فهذه الأحوال التي يقترن بها الغشي أو الموت أو الجنون أو السكر أو الغناء حتى لا يشعر بنفسه ونحو ذلك، إذا كانت أسبابها مشروعة وصاحبها صادقاً عاجزاً عن دفعها، كان محموداً على ما فعله من الخير، وما ناله من الإيمان معذورا فيما عجز عنه وأصابه بغير اختياره، ولكن من لم يزل عقله مع انه قد حصل له من الأيمان ما حصل لهم أو مثله أو أكمل منه فهو أفضل منهم، وهذه حال الصحابة رضي الله عنهم وهي حال نبينا صلي الله عليه وسلم وهذا كلام أبن تيمية.
الجفري على حق
إذا كان هذا الكلام منقولا عن ابن تيمية فلماذا يحارب فيه محبوه الحبيب علي الجفري ويتهمونه باعتقاده إن أولياء يعلمون الغيب وان كراماتهم لا حد لها، وأن الاحتفال بمولد النبي صلي الله عليه وسلم والإسراء والمعراج يعتبر من الدين، وأن النبي صلي الله عليه وسلم ينفع الناس بعد وفاته وانه صلي الله عليه وسلم يغيثهم إذا توسلوا به وأن كل ذلك مبتدع، فما ردكم؟
عرفت الحبيب علي الجفري عن قرب في كثير من الأوقات، ووجدته العالم العابد التقي الورع، مع خلق رفيع وأدب، يعفو ويعفو، ولا يرد سائلا عن شيء مما يسأل عنه، أما ما يثار حوله من الكلام، فما من عالم رباني وصل إلى ما وصل إليه الحبيب الجفري من محبة الناس له وأتباعهم لطريقه إلا كثر الحاقدون عليه، ولفقوا التهم له، بل وأثاروا العوام عليه بجهلهم وغيظ قلوبهم ولأن الناس فرأوا ما كتبه علماؤنا المتقدمون وسمعوا من الجفري ما يقول، ولم يتناقلوا ما يثار بلا دليل، لعلموا الحق ووقع هؤلاء في سيء مكرهم.
الكرامة للأولياء ثابتة
ولكن أكثر ما ينكر على الحبيب الجفري قوله" كرامات الأولياء" .