أقوال العلماء في التصوف]
وأختم هذه الجلسة وهذه المحاضرة بقراءة كلام أئمة الدين حول التصوف ، ليكون ختامًا حسنًا جميلاً لقول الكرام ، وهم الذين يعتدُّ بهم ويأخذ بقولهم ولا قولة مثل قولهم .
[1] منهم الإمام أبو حنيفة الإمام النعمان أبو حنيفة نقل الفقيه الحنفي الحصفكي صاحب الدر أن أباعلي الدقَّاق رحمه الله تعالى -كان من أهل التصوف هذا- قال : ( أنا أخذت الطريقة من أبي القاسم النصرأبادي وقال أبو القاسم أنا أخذتها من الشبلي وهو من السري السقطي وهو من معروف الكرخي وهو من داود الطائي وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله )) انظر إلى حاشية ابن عابدين الدر المختار (ج1/ص43) الجزء الأول صفحة ثلاثة وأربعين. فأبو حنيفة يعطي طريقة صوفية !
[2] الإمام مالك رحمه الله : يقول الإمام مالك رحمه الله ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق ) انظر حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإمام الزرقاني في الفقه المالكي (ج3/ص95) الجزء الثالث صفحة خمسة وتسعون وفي غير ذلك من أخبار الإمام مالك والأئمة الأربعة المشهورين وغيرهم .
[3] الإمام الشافعي : قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : (صحبت الصوفية فاستفدت منهم ثلاث كلمات قولهم الوقت سيف إذا لم تقطعه قطعت وقولهم نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل وقولهم العدم عصمة ) في كتاب تأييد الحقيقة العلية للإمام جلال الدين السيوطي صفحة (15) خمسة عشر ، وقال أيضًا -الإمام الشافعي-: (حبب إليَّ من دنياكم ثلاث ترك التكلف وعشرة الخلق بالتلطف والإقتداء بطريق أهل التصوف ) راجع كتاب كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للإمام العجلوني.
[4] الإمام أحمد بن حنبل : كان يقول قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله (يا ولدي عليك بالحديث وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية فإنهم ربما كان أحدهم جاهل بأحكام دينه) فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي عرف أحوال القوم أصبح يقول لولده (يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة ) راجع كتاب تنوير القلوب للشيخ أمين الكردي.
وكان الإمام أحمد مع جلالة قدره إذا توقف في مسألة يقول لأبي حمزة البغدادي (ما تقول في هذه المسألة يا صوفي ؟) فمهما قال له اعتمده ، ونقل العلامة محمد السفارييني الحنبلي عن إبراهيم بن عبد الله العلاني رحمه الله (أن الإمام أحمد قال عن الصوفية لا أعلم أقوامًا أفضل منهم قيل أنهم يستحيون ويتواجدون قال دعوهم يفرحون مع الله ساعة) كتاب غذاء الألباب شرح منطومة الآداب.
[5] الإمام الشريف الجرجاني : يقول في التعريفات صفحة (52) اثنين وخمسين -كتابه التعريفات- يقول : (( التصوف مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل وهو تصفية القلب عن المواقف البرية مفارقة الأخلاق الطبيعية إخماد الصفات البشرية ومجانبة الدعاوي النفسانية ومنازلة الصفات الروحانية .. -إلى غير ذلك إلى أن قال- .. واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشريعة))
[6] الإمام الغزالي يقول في كتابه المنقذ من الضلال بعد أن فرغ من علوم الشريعة يقول واصفًا التصوف والصوفية : ((ثم إني لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية وعلمت أن طريقهم إنما يتم بعلم وبعمل ..إلى آخر كلامه رضي الله عنه))
[7] الشيخ الإمام الكبير حجة المتكلمين عبد القاهر البغدادي رحمه الله في كتابه الفرق بين الفرق قال :
(( الفصل الأول من فصول هذا الباب في بيان أصناف أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس)) ذكر منها الصنف السادس قائلاً : ((والصنف السادس منهم الزهَّاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا واختبروا فاعتبروا ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك مسؤول عن الخير والشر ومحاسب على مثاقيل الذر .. إلى آخر كلامه )) في كتاب الفرق للإمام عبد القاهر البغدادي المتوفي سنة (429) أربعمئة وتسع وعشرين .
[8] الإمام فخر الدين الرازي -الإمام الكبير المفسر الشهير- رحمه الله في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين يقول :
(( الباب الثامن في أحوال الصوفية
اعلم أن أكثر فرق الأمة لم يذكروا الصوفية وذلك خطأ لأن حاصل قول الصوفية أن الطريقة إلى المعرفة إلى الله هو التصفية والتجرد من العلائق البدنية وهذا طريقٌ حسن )) وقال أيضًا : ((والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس من العلائق الجسمانية ويجتهدون ألا يخلو سرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى .. الى آخر كلامه)) اعتقادات فرق المسلمين للإمام فخر الدين الرازي المتوفي سنة (606) ستمئة وستة .
[9] الإمام النووي الحجة أبو زكريا يحيى بن شرف الدين النووي يقرر في رسالته المعروفة المقاصد -كتيب مطبوع للإمام النووي- يقول :
(( أصول الطريق التصوف خمسة -فيأصل التصوف يقول أصول طريق التصوف خمسة- تقوى الله تعالى في السر والعلانية واتباع السنة في الأقوال والأفعال والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار والرضا عن الله في القليل والكثير والرجوع إلى الله في السرَّاء والضرَّاء)) راجع مقاصد الإمام النووي في التوحيد والعبادة وأصول التصوف صفحة (20) عشرين ، توفي الإمام النووي سنة (676) ستمئة وست وسبعين.
[10] الإمام السيوطي العلامة المشهور يقول في كتابه تأييد الحقيقة العلية -وهو من الصوفية- : (( إن التصوف في نفسه علم شريف وإن مداره على اتباع السنة وترك البدع والتبرِّي من النفس وعوائقها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها والتسليم لله تعالى ..إلى آخر كلامه وهو كلام طويل )) في كتابه تأييد الحقيقة العلية في الصفحة (57) السابعة والخمسين ، الإمام السيوطي المتوفي سنة (911) تسعمئة وتسعة عشر .
[11] الإمام تاج الدين السبكي قال تاج الدين السبكي المعروف المشهور في كتابه معيد النعم ومبيد النقم تحت عنوان (الصوفية) ((حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعبًا ناشئًا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها .. -إلى أن قال-.. وإنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة .. إلى آخر كلامه)) في كتابه معيد النعم في صفحة (119) مئة وتسعة عشر ، الإمام السبكي توفي سنة (771) سبعمئة و واحد وسبعين .
[12] ابن خلدون رحمه الله المؤرخ يقول ابن خلدون في كلامه عن علم التصوف :
(( هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة ، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين من بعدهم طريقة الحق والهداية ، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخارف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليها الجمهور ، من لذة ومال وجاهٍ والانفراد عن الخلق .. -إلى آخر كلامه قال-..واختصَّ المقبلون على العبادة باسم الصوفية )) مقدمة ابن خلدون صفحة (328) ثلاثمئة وثمان وعشرين ، وهو المتوفي سنة (808) ثمانمئة وثمان .
[13] الشيخ العز بن عبد السلام : يقول ((قد قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وآخرى وقعد غيرهم على الرسوم ومما يدلك على ذلك ما يقع على يدي القوم من الكرامات وخوارق العادات فإنه فرع عن قربات الحق لهم ورضاه عنهم .. -إلى آخر كلامه-)) الشيخ العز بن عبد السلام.
[14] من المشائخ المشهورين في زمننا هذا الشيخ محمد متولي الشعراوي -المفسر المشهور الذي يسمعه الناس في الشاشات دائمًا وفي الإذاعات رحمه الله تعالى- : يقول الشيخ محمد متولي فيما يرويه لنا في كتاب أصول الأصول للشيخ زكي إبراهيم يقول : (( الصوفي يتقرب إلى الله بفروض الله ، ثم يزيدها بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام من جنس ما فرض الله ، وأن يكون عنده صفاء في استقبال أقضية العبادة فيكون صافيًا لله والصفاء هو كونك تصافي الله فيصافيك الله )) قال : (( والتصوف رياضة روحية لأنها تلهم الإنسان بمنهج تعبديٌ لله فوق ما ترضى ))
[15] الشيخ أبو الحسن الندوي -المشهور كذلك المعروف الذي صليَّ عليه في وفاته صليَّ عليه في الحرمين الشريف قبل سنوات يقول - في بحث (الصوفية في الهند وتأثيرها في المجتمع) من كتابه (المسلمون في الهند) قال : ((إن هؤلاء الصوفية كانوا يبايعون الناس على التوحيد والإخلاص واتباع السنة والتوبة عن المعاصي والظلم والقسوة ويرغبونهم في التحلِّي بالأخلاق الحسنة التخلي عن الرذائل مثل الكبر والحسد والبغضاء))
[16] الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي -حفظه الله تعالى من علمائنا البقية الموجودين بالشام- يقول : (( كان أبي رحمه الله يجزم بأن التصوف النقي هو جوهر الإسلام ولبابه وكان يأكد أن المسلم إذا لم يكن قد تشرَّب حقيقة التصوف فقد حبس نفسه في معاني الإسلام ولم يرقى صعدًا إلى حقيقة الإيمان)) في كلام له كثير من كتابه (السلفية) وفي كتبٌ الأخرى تكلم بكثير من الكلام عن التصوف حفظه الله تعالى .
[17] وهذا الشيخ الإمام الحسن البنا -صاحب الحركة الإسلامية العظيمة- يقول في مذكراته في الصفحة (27) السابعة والعشرين : ((وصحبت الإخوان الحصافية بدمنهور وواظبت على الحضرة في مسجد التوبة في كل ليلة )) ويقول الحسن البنا -رحمه الله تعالى كما ذكر ذلك بلاد الرزق في كتابه حسن البناء بأقلام تلامذة حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه- يقول : ((في دمنهور توثقت صلته -يعني حسن البنا- بالإخوان الحصافية -هذا الطريق الحصافية- وواظب على الحضرة في مسجد التوبة في كل ليلة مع الإخوان الحصافية ورغب في أخذ الطريقة حتى انتقل من مرتبة المحب إلى مرتبة التابع وكان المؤسس غارقًا في التصوف كما في مذكراته صفحة (32) اثنين وثلاثين حيث يقول (وكانت أيام دمنهور ومدرسة المعلمين أيام الاستغراق في عاصفة التصوف والعبادة ) )) وكثير من كلام الحسن البنا وإن كان بعض الذين اليوم ممن يقول أنه من أتباع الحسن البنا ربما يتطاول على التصوف .
وكذلك فئات المسلمين والذين اشتهروا بخدمة الدين في المشارق وفي المغارب وبالهند والسند والشرق والغرب أغلبهم ومعظمهم نراهم من أهل التصوف أو جلساء رجال التصوف هذا ما أحببت أن أبينه في هذه المحاضرة التي حاولت فيها أن آتي بأقوال العلماء وبمظاهر الدلالة على حقيقة التصوف .
[الخاتمة]
وإن كان هذا الكلام لا يعني أنني أؤيد بعض المظاهر التي دخلت دخيلة على التصوف فهناك متمصوفة دخلاء على التصوف ليسوا بصوفية ، نحن إنما نتكلم وهذه الجلسة كلها إنما هي لبيان أن التصوف الحق حق ، أما أنا أعلم أن هناك من دخل على التصوف ومن ادعَّى التصوف من أدعياء يخالطون النساء ويفعلون المنكرات ثم يقولون نحن أولياءٌ لله أو يدعون إلى اختلاط النساء بالرجال أو غير ذلك من هذه التصرفات فنحن ورجال التصوف كلهم لا نؤيد هذا ولا ندعوا إلى هذا وننكره إنكارًا للمنكر ونأمر بالحق أمرًا بالمعروف .
نسأل الله تعالى لنا الهداية والثبات إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ومن كان له سؤال أو استفسار يمكن أن نجود عليه -بفضل الله تعالى وبتوفيقه- إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .