سم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سِلْسِلَةُ بَيَانِ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَةِ : (4)
الخُلَاصَةُ
فِي عَقِيدَةِ المُسْلِمِ
كَتَبَـهُ
د. مُحَمَّدُ صُبْحِي العَايْدِيّ
د. رَبِيْـعُ صُبحِي العَايْدِيّ
· الإِهْدَاءُ :
إِلَيْكَ سَيِّدِي رَسُوْلَ اللهِ -r-، وَمِنْهُ إِلَى حَضْرَةِ مَوْلَانَا الشَّيخِ العَارِفِ بِاللهِ تَعَالَى سَيِّـدِيْ عَبْدِ اللهِ وِشَاح-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-خِرِّيْجُ الأَزْهَرِ الشَّرِيْفِ سَنَـةَ: 1963م.
وَقَدْ قَرَأْنَا عَلَيْـهِ -رَحِمَهُ اللهُ- هَذَا المَتْنَ كَامِلاً، وَأَجَازَنَا بِطِبَاعَتِهِ وَنَشْرِهِ وَتَعْلِيمِهِ، جَزَاهُ اللهُ خَيْرَاً.
· مَتْنُ العَقِيْدَةِ:
الحَمْـدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَــمُّ التَّسْلِيْمِ عَلَى سَيِّدِ الخَلْقِ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْـدُ؛ فَهَذَا مَتْنٌ فِي العَقَائِدِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السًّنَةِ، كَتَبْنَاهُ اسْتِجَابَةً لِرَغْبَةِ كَثِيْرٍ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ أَنْ يُكتَبَ مَتْـــنٌ فِي العَقَائِــدِ، يَسْهُــلُ دِرَاسَتُـهُ عَلَى الطَّلَبَةِ، وَيَكُوْنُ جَامِعَاً لِأُصُوْلِ أَهْلِ السُّنَةِ.
وَحَاوَلْنَا عِنَدَ بَيَانِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَضْعَ قَوَاعِدَ كُلِّيَةٍ لِيَسْهُلَ فَهْمُهَا وَحِفْظُهَا بَعِيدَاً عَنِ التَّفْرِيْعَاتِ الكَثِيْرَةِ وَاقْتِرَابَاً مِنَ الأُصُوْلِ.
*********************
· حَقِيقَةُ الإِيْمَانِ:
الإِيْمَانُ هُوَ: التَّصْدِيْقُ وَالإِذْعَانُ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّظَرِ إِلَى أَصْلِهِ، وَيَزِيْدُ وَيَنْقُصُ بِالنَّظَرِ إِلَى الأَعْمَالِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون}(الأَنفَالُ:2).
وَالأَعْمَـالُ بِالكُلِّيَةِ غَيْرُ دَاخِلَـةٍ فِي أَصْلِ الإِيْمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِيْ وَصْفِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَطَفَ فِيْ آيِ القُرْآنِ الكَرِيْمِ العَمَلَ عَلَى الإِيْمَانِ؛ فَلَوْ كَانَ دَاخِلاً فِيْهِ لَمَا صَحَّ العَطْفُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الأَعْمَـالُ دَاخِلَــةً فِي أَصْلِهِ لَمَا صَحَّ وُجُـوْدِ الإِيْمَانِ عِنْدَ عَــدَمِ العَمَلِ، مَعَ أَنَّ المُقَرَّرَ فَي الشَّرْعِ أَنَّ المَرَأَةَ الحَائِضَ تُمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ بَقَاءِ إِيْمَانِهَا، وَيَصِحُّ نَفْيُ الصَّلَاةِ عَنْهَا بِخِلَافِ الإِيْمَانِ.
وَمَا وَرَدَ مِنَ النُّصُوْصِ مِنْ نَفْيِ الإِيْمَانِ عِنَدَ فِعْلِ المَنْهِيَّاتِ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ، أَوْ عِنْدَ عَدَمِ العَمَلِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ جُحُوْدٍ؛ إِنَّمَا هَـيِ نَفْـيٌ لِكَمَـالِ الإِيْمَانِ لَا لِأَصْلِهِ.
وَلَا يَخْرُجُ المُؤْمِنُ مِنَ الإِيْمَانِ إِلَّا بِجُحُوْدِ مَا أَدْخَلَهُ فِيْهِ وَهُوَ نَقْضُهُ- وَالعِيَاذَ بِاللهِ- لِلشَّهَادَتَيْنِ، وَتُنْفَى الشَّهَادَتَـانِ بِنَقْضِ أَحَـدِ أَصْلَيْنِ وَهُمُا: الأَوَّلُ: اعْتِقَادُ الاسْتِغْنَاءِ المُطْلَقِ للهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَافْتِقَارُ كُلِّ مَا عَدَاهُ إِلَيْهِ ([1] )، وَالثَّانِي: الاِعْتِقَـادُ بِنُبُـوَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -r-.
*********************
· مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فِي اللهِ تَعَالَى:
الاعْتِقَادُ هُوَ: التَّصْدِيْقُ الجَازِمُ بِأَرْكَانِ الإِيْمَانِ تَصْدِيْقَاً يُخْرِجُ المُكَلَّفَ مِنْ حَيِّزِ الإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّيّ، وَالمَعْرِفَةُ تَكُوْنِ بِالنَّقْلِ وَالعَقْلِ وَالحَوَاسِّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} (الإِسْرَاءُ:36).
وَلَا يَجُوْزُ التَّقْلِيْدُ فِي الإِيْمَانَ وَإِنْ صَحَّ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى :{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}(البَقَرَةُ:170).
وَيَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ : أَنْ يَتَعَرَّفَ عَلَى اللهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}(مُحَمَّدُ:19)، وَلَا يُقْصَدُ بِالمَعْـرِفَةِ إِدْرَاكُ الحَقِيْقَةِ المُطْلَقَةِ عَــنِ اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هَـذَا لَا يُمْكِـنُ أَنْ يَحْصُلَ لِأَحَـدٍ أَبَدَاً؛ لِقَوْلِـهِ تَعَالَى: {ولا يحيطون به علما} ( طه : 110 ).
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إِدْرَاكِ حَقِيْقَةِ ذَاتِهِ عَدَمُ وُجُوْدِهِ تعَالى، وَمَا يُمْكُنُ مَعْرِفَتُهُ عَقْلَاً عَنِ اللهِ تَعَالَى هو ما نُشَاهِدُهُ مِنْ آَثَارِه تعَالى في العَالَم ، وهـذه الآَثَارُ مَحْــدُوْدَةٌ ، إِذَاً فمـا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ عَنِ اللهِ تَعَالَى مَحْدُوْدٌ .
*********************
· وُجُوْدُ اللهِ تَعَالَى
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{فلينظر الإنسان ممَّ خلق}( الطَّارِقُ : 5 )
يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنِّ الإِلَهَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُوْنَ مَوْجُوْدَاً، وَأَنَّ وُجُوْدَهُ وَاجِبٌ حَقِيْقِيُّ وَلَيْسَ خَيَالَاً أَوْ فِكْرَةً ([2] )؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَيَالَاً لَكَانَ وَهْمَاً، وَهُوَ لَا حَقِيْقَةَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ فِكْرَةً لَكَانَ بِحَاجَةٍ إِلَى مَنْ يَقُوْمُ بِهِ ، فَلَا يَثْبُتُ وُجُوْدُ الإِلَهِ فِيْ كِلَيْهِمَا ، وَعَدَمُ ثُبُوْتِهِ بَاطِلٌ .
وَأَقْرَبُ دَلِيْلٍ عَلَى البُطْلَانِ تَقْلِيْبُ النَّظَرِ فِي العَالَمِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَيَرَى النَّاظِـرُ فِيْ الأُوْلَى التَّغَيُّرَ الدَّائِمَ الَّذِي يَلْحَقُ الخَلْقَ مِنَ الذَّرَّةِ إِلَى العَرْشِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى افْتِقَارِهِمُ الدَّائِمَ إِلَى مُوْجِدٍ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمْ فِي أَصْلِ الاِفْتِقَارِ، وَيَرَى فِي الثَّانِيَةِ انْتِظَامَ الكَوْنِ الكَبِيْرِ وَإِبْدَاعِهِ مِنْ غَيْر أَنْ يَرَى أَيَّ عَيْبٍ فِي خَلْقِ الكَوْنِ، وَهَذَا يَنْفِي قَطْعَاً وَصَرَاحَةً أَنْ يَكُوْنَ هَذَا الكَوْنُ مِنْ غَيْرِ مُوْجِدٍ، أَوْ أَنْ تَكُوْنَ الصُّدْفَةُ هِيَ الَّتِي أَبْدَعَتْ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا ازْدَادَ الأَمْرُ تَعْقِيْدَاً وَانْتِظَامَـاً قَلَّ احْتِمَالُ الصُّدْفَةِ فِيْـهِ، فَدَعْوَى الصُّدْفَةِ قَدْ تَكُوْنُ مُمْكِنَةً فِيْ أَمْرٍ أَوْ أَمْرَيْنِ، وَتَسْتَحِيْلُ فِيْ مِثْلِ هَذَا الكَوْنِ العَظِيْمِ.
*********************
· قِدَمُ اللهِ تَعَالَى
قَالَ اللهُ تَعَالَى :{هو الأول}(الحَدِيْدُ : 3 ) .
القِــدَمُ: هُــوَعَدَمُ البِدَايَةِ فِي الوُجُوْدِ لَا فِي الزَّمَانِ، وَإِيَّــاكَ وَالتَّخَيُّـلَ ([3] )فِي قَضِيَّةِ القِدَمِ فَهُوَ مِنْ مَزَالِقِ الأَقْدَامِ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَسْلُكَ طَرِيْقَ التَّعَقُّلِ ([4] )فَإِنَّ العَقْلَ يُوْجِبُ أَنَّ مَا مِنْ شَيْءٍ لَهُ بِدَايَةٌ إَلَّا وَلَــهُ مُبْدِئٌ، فَلَـوْ فَرَضْــتَ الْبِدَايَةَ مَعَ المُبْدِئِ الأَوَّلِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ مُبْدِئٌ آَخَرُ، وَهَكَذَا نَسِيْـرُ فِي سِلْسَلَةٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَهِيَ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَتَسَلْسَلُ لَا يَتَحَصَّلُ ([5] )، وَالْكَوْنُ حَاصِلٌ ضَرُوْرَةً ، فَثَبَتَ أَنْ يَكُوْنَ المُبْدِئُ الأَوَّلُ لَا بِدَايَةَ لِوُجُوْدِهِ؛ فَثَبَتَ قِدَمُهُ تَعَالَى .
*********************
· بَقَاءُ اللهِ تَعَالَى
قَالَ اللهُ تَعَالَى :{هو الأول والأخر}
(الحَدِيْدُ : 3 ) .
البَقَــاءُ : هُوَعَدَمُ النِّهَايَةِ فِي الوُجُوْْدِ ([6] ) لَا فِي الزَّمَانِ، فَلَا اسْتِدْرَاكَ فِي بَقَاءِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَبَقَاؤُهُمَا زَمَانِيُّ.
وَفَرْضُ النِّهَايَةِ فِي وُجُوْدِهِ سُبْحَانَهُ هُوَ فَرْضٌ لِلحُدُوْثِ، وَقَدْ ثَبَتَ وُجُوْبُ قِدَمِهِ، وَالوُجُوْبُ وَالحُدُوْثُ فِي المَوْجُوِدِ الوَاحِدِ لَا يَصِحُّ؛ فَثَبَتَ بَقَاؤُهُ تَعَالَى.
*********************
· نَفْيُ تَوَهُّمِ مُمَاثَلَتِهِ تَعَالَى لِلمَخْلُوْقَاتِ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى :{ليس كمثله شىء وهو السميع البصير} (الشورى:11)
مُخَالَفَتُهُ تَعَالَى لِلحَوَادِثِ: هُوَ نَفْيُ المُمَاثَلَةِ وَالمُشَابَهَةِ وَلَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ، فَلَوْ مَاثَلَ شَيْئَاً أَوْ مَاثَلَهُ شَيْءٌ لَانْتَفَتِ الأُلُوْهِيَّةُ؛ لِأَنَّ المُتَمَاثِلَاتِ لَهَا نَفْسُ الأَحْكَامِ.
وَمَا يُذْكَرُ مِنَ الصِّفَاتِ لَهُ تَعَالَى وَلَا يَحْتَمِلُ الكَمَالَ بِوَجْهٍ نَفَيْنَاهُ مُطْلَقَاً كَالحَدِّ وَالمَكَانِ وَالجِهَةِ، وَمَا ثَبَتَ وَلَا يَحْتَمِلُ النَّقْصَ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوْهِ أَثْبَتْنَاهُ مُطْلَقَاً كَالعِلْمِ وَالقُدْرَةِ وَالإِرَادَةِ، وَالاِشْتِرَاكُ فِيْهَا بَيْنَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوْقِ مِنْ حَيْثُ الإِطْلاَقُ فِي اللَّفْظِ لَا فِي حَقِيْقَةِ الصِّفَةِ.
وَاليَدُ وَالعَيْنُ وَالقَدَمُ وَالجَنْبُ وَغَيْرُهَا مِمَّا وَرَدَ، إِنَّمَا هِيَ إِضَافَاتٌ لُغَوَيِّةٌ تُفْهَمُ ضِمْنَ سِيَاقِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صِفَاتٌ يَسْتَحِيْلُ ظَاهِرُهَا، وَهَكَذَا يُفْهَمُ كُـلُّ مَا وَرَدَ مِنْ نُصْوصٍ اسْتَحَال مَبْدَؤُهَـا عَلَى اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كَالضَّحِكِ وَالغَضَبِ .
*********************
· قَيُّوْمِيَّتُهُ تَعَالَى:
قَالَ اللهُ تَعَالَى :{الله لا إله إلا هو الحى القيوم} ( البَقَرَةُ : 255 ).
مَعْنَى كَوْنِهِ قَيُّوْمَاً: هُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ المُطْلَقُ عَنِ الغَيْرِ؛ فَلَا يَحِلُّ فِيْ شَيْءٍ وَلَا يَحِلُّ فِيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مُوْجِدٍ يُوْجِدُهُ، واَلزَّمَانُ وَالمَكَانُ وَالحَدُّ وَالْجِهَةُ قُيُوْدٌ ، وَهِيَ تُنَافِي الاسْتِغْنَاءَ المُطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا لَكَــانَ مَقْهُوْرَاً، كَيْفَ ذَلِكَ وَهُـوَ تَعَالَى القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وَأَيْسَرُ طَرِيْقَةٍ لِإِدْرَاكِ مَعْنَى الاسِتْغِنَاءِ المُطْلَقِ أَنْ تَفْرِضَ العَالَمَ مَعْدُوْمَاً ([7]).
وَعَلَيْهِ فَالعَلَاقَةُ أَيْنَمَا ذُكِرَتْ وَوُجْدَتْ بَيْنَ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ المَخْلُوْقَاتِ إِنَّمَا هِيَ عَلَاقَةُ تَدْبِيْرٍ وِإِيْجَادٍ وَتَصَرُّفٍ وَهَيْمَنَةٍ ، لَا عَلَاقَةَ احْتِيَاجٍ وَافْتِقَارٍ.
*********************
· وَحْدَانِيَّتُهُ تَعَالَى
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{قل هو الله أحد}(الإِخْلَاصُ: 1) .
الوَحْدَانِيَّةُ : هِيَ نَفْيُ الشَّرِكَةِ عَنْهُ تَعَالَى، وَالْأَصْلُ أَنَّ لِكُلِّ فِعْلٍ فَاعِلَاً وَاحِدَاً، وَالمُعَدِّدُ لِلفَاعِلَيْنِ يَلْزَمُهُ الدَّلِيْلُ، وَالدَّلَائِلُ عَلَى الوَحْدَانِيَّةِ كَثِيْرَةٌ، وَأَوْضَحُهَا أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ وُجُوْدُ آلِهَةٍ مَعَ فَرَضِ الكَمَالِ المُطْلَقِ فِيْهِمْ لَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى الاِخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ ، وَقَـدْ قَـالَ اللهُ تَعَالَى:{ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إلهٍ إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض}(المُؤْمِنُونَ : 91)، وَهُوَ يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الكَوْنِ وَعَدَمِ انْتِظَامِهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا}(الأنْبِيَاءُ: 22)، وَهُـوَ خِلَافُ المُشَاهَــدِ ([8])، فَثَبَتَتِ الوَحْدَانِيَّةُ، كَمَا لَا يُتَصَّوَرُ الاِتِّفَاقُ كَتَقْسِيْمِ العَالَمِ بَيْنَهُمَا مَعَ فَرَضِ الكَمَالِ المُطْلَقِ ([9]).
******************
· قُدْرَة اللهِ تَعَالَى
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{ذو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}(الذريات: 58).
اعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَتَّصِفُ بِقُدْرَةٍ أَزَلِيَّةٍ عَامَّةِ التَّعَلُّقِ بِالمُمْكِنَاتِ مِنْ حَيْثُ الإِيْجَادُ وَالإِعْدَامُ ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شىء قدير}(آل عمران: 189).
وَالدَّلِيْلُ عَلَيْهَا أَنِّ القُدْرَةَ لَوِ انْتَفَتْ لَلَزِمَ العَجْزُ عَلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ مُحَالٌ، وَكَذَا لَوِ انْتَفَتْ لَمَا كَانَ هَذَا العَالَمُ، وَهُوَ بَاطِلٌ ضَرُوْرَةً؛ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ، فَثَبَتَتِ القُدْرَةُ، وَعُمُوْمُهَا يَتَضَمَّنُ الخَلْقَ لِأَفْعَالِ العِبَادِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {والله خلقكم وما تعملون}(الصافات:96).
وَقَالَ اللهُ تََعَالَى: {لا إله إلا هو خالق كل شىء فاعبدوه}(الأنعام: 102).
*******************
· إِرَادَةُ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(يـس:82).
اعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَتِّصِفُ بِإِرَادَةٍ أَزَلِيَّةٍ عَامَّةَ التَّعَلُّقِ بِالمُمْكِنَاتِ مِنِْ حَيْثُ تَعْيينُهُ لَهَا سُبْحَانَهُُ بِمِقْدَارٍ وَصِفَةٍ وَوُجُوْدٍ وَزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَجِهَةٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}(الإنسان: 30)، أَيْ: إِنَّ إِرَادَةَ الخَلْقِ مَحُوْطَةٌ بِإِرَادَةِ اللهِ، فَلاَ اسْتِقْلَالَ لِلْعَبْدِ عَنِ الرّّبِّ، وَالدَّلِيْلُ عَلَيْهَا أَنَّ الإِرَادَةَ لَوِ انْتَفَتْ لانْتَفَى التَعَيُّنُ لِلْخَلْقِ؛ وَهُوَ مُحَالٌ، وَذَلِكَ لِلُزُوْمِ وُجُوْدِ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنَ المَخْلُوْقَاتِ دُفْعَةً وَاحِدَةً؛ وَهُوَ مُحَالٌ، أَوْ لِاتِّصَافِ المَخْلُوْقِ بِكُلِّ مَا يَجُوْزُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُؤَدِّيْ إِلَى وُقُوْعِ مَا يَتَنَاقَضُ مِنَ الأَُوَصاف مُحَالٌ أَيْضَاً، فَثَبَتَتِ الإرَادةُ.
*****************
· عِلْمُ اللهِ تَعَالَى
قًالَ اللهُ تَعَالَى:{لكن الله يشهد بما أَنْزَلَ إليك أنزله بِعِلْمِهِ} (النساء: 166).
اعْلَمْ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ العِلْمِ أَزَلاً وَأَبَدَاً ، عَالِمٌ بِجَمِيْعِ المَوْجُوْدَاتِ وَالمَعْدُوْمَاتِ ، وَمُحِيْطٌ بِعِلْمِهِ بِكُلِّ المَخْلُوْقَاتِ ، قَالَ تَعَالَى:{وأن الله قد أحاط بكل شىء علما}(الطلاق:12)، لَا يَعَزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ( [10])، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين}(الأنعام: 59) ؛فَهُوَ عَالِمٌ بِدَقِيْقِ الأُمُوْرِ وَجَلِيِّهَا، وَظَاهِرِهَا وَخَفِيِّهَا، وَالدَّلِيْلُ عَلَى ذَلِكَ؛ أَنَّهُ لَوِ انْتَفَى كَوْنُهُ عَالِمَاً لَاتَّصَفَ بِكَوْنِهِ جَاهِلاً؛ وَهُُوَ مُحَالٌ، فَالنَّاظِرُ فِي الكَوْنِ لَا يَسْتَرِيْبِ بِدَلاَلَةِ الصُّنْعِ المُزَيّّنِ بِالتَّرْتِيْبِ، وَلَوْ فِي الشَّيْءِ الضَّعِيْفِ، عَلَى عَلْمِ الصَّانِعِ بَكَيْفِيَّةِ التَّرْتِيْبِ وَالتَّرْصِيْفِ.
*****************
· حَيَاةُ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ اللهُ تَعَالَى :{الله لا إله إلا هو الحى القيوم}(البقرة 255)
اعْلَمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ الحَيَاةِ ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ وَالعَقْلِ، فَاللهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالقُدْرَةِ وَالإِرَادَةِ وَالعِلْمِ، وَكُلُّ مُتَّصِفٍ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ تَجِبُ لَهُ الحَيَاةُ .
*******************
· سَمْعُ اللهِ تَعَالَى وَبَصَرُهُ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الاسراء: 1)
اعْلَمْ أَنَِّ اللهَ تَعَالَى مُتَِّصِفٌ بِصِفَتَيِ السَّمْعِ وَالبَصَرِ؛ فَهُوَ يَسْمَعُ صَوْتَ دَبِيْبِ النِّمَلَةِ السَّوْدَاءِ، عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، وَيَرَى هَوَاجِسَ الضَّمِيْرِ، وَخَفَايَا الوَهْمِ وَالتَّفْكِيْرِ، وَهُمَا غَيْرُ العِلْمِ ([11])، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُمَا أَنَّ عِلْمَهُ نَاقِصٌ فَاكْتَمَلَ بِهِمَا، أَوْ كَامِلٌ فَتَأَكَّدَ، فَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَهُمَا صِفَتَا كَمَالٍ احْتَجِّ بِهِمَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيْمُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ- عَلَى أَبِيْهِ إِذْ كَانَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ فَقَالَ لَهُ- كَمَا ذَكَرَ القُرْآنُ الكَرِيْمُ: {يا أبتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلا َيُغْنِي عَنْكَ شَيْئَاً}(مريم: 42)، وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوْزُ نَفْيُهُمَا؛ وَإِنْ لَمْ نُدْرِكْ سِرَّ الإِثْبَاتِ فِيهِمَا، مَعَ ثُبُوْتِ كَوْنِهِمَا صِفَتَا كَمَالٍ للهِ تَعَالَى ([12]).
******************
· كلام الله تعالى:
قَالَ اللهُ تَعَالَى :{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً}(النساء: 164)
اعْلَمْ أَنَّ اللهَ مُتَّصِفٌ بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ هُوَ صِفَةٌ لَهُ كَالقُدْرَةِ وَ الإِرَادَةَ وَغَيْرِهَا، وَيُعَبَّرُعَنْهَا بِالكَلاَمِ النَّفْسِيِّ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ}(المجادلة: Cool، فَسَمَّاهُ اللهُ تَعَالَى كَلاَمَاً مَعَ أَنَّهُ فَي النَّفْسِ، وَكَلَامُ النَّفْسِ لَا يُوْصَفُ بِالحَرْفِ وَالصَّوْتِ، فَكَذَا كَلاَمُ اللهِ يُوصَفُ بِأَنَّهُ نَفْسِىُّ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ دَاخِلُ النَّفْسِ؛ أَيْ جَوْفِهَا كَمَا هُوَ فِي المَخْلُوْقِ([13])، وَلَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الحَرْفِ وَالصَّوْتِ، وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ مَعَانِي النَّقْصِ([14])، وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ بِالنَّظَرِ إِلَى كَوْنِهِ صِفَةً للهِ تَعَالَى، وَأَمَّا اللَّفْظُ المُنَزَّلُ مِنَ الَّلوْحِ المَحْفُوْظِ، المَكْتُوْبُ فِي المَصَاحِفِ، المَحْفُوظُ فِي الصُّدُوْرِ، فَهُوَ دَالُّ عَلَى كَلَام اللهِ تَعَالَى.
******************
· مِمَّا يَجِبُ الإِيْمَانُ بِهِ مِنَ الغَيْبِيَّاتِ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى :{الذين يؤمنون بالغيب}(البَقَرَةُ : 2).
اعْلَمْ أَنَّ مَا لَمْ يَقَعْ تَحْتَ الحَوَاسِّ يُسُمَّى غَيْبَاً، فَإِنْ كَانَ يَسْتَحِيْلُ أَنْ يَقَعَ فَهُوَ الغَيْبُ المُطْلَقُ وَهُوَ لَا يَكُوْنُ إِلَّا للهِ تَعَالِى، فًهُوَ سُبْحَانَهُ لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ لِكَمَالِ ذَاتِهِ، وَهُـــوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ لِإِحَاطَةِ صِفَاتِهِ .
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقَعْ وَيُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فَهُوَ الغَيْبُ النّسْبِيُّ؛ وَهُوَ كُلُّ مَا سِوَى اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ؛ الأَوَّلُ: مَا يَجِبُ الإِيْمَانُ بِهِ وَيَكْفُرُ مُنْكِرُهُ؛ وَهُوَ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِنَصٍ صَرِيْحٍ قَطْعِيِّ كَالمَلاَئِكَةِ وَالبَعْثِ، وَالحَشْرِ، وَالنَّشْرِ، وَالحِسَابِ، وَالجَنَّةِ، وَالنَّارِ.
وَالثَّانِي: مَا يَجِبُ الإِيْمَانُ بِهِ وَلَاَ يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ؛ وَهُوَ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِنَصٍ لَا يُفِيْدُ اليَقِيْنَ بِذَاتِهِ، وَيَدْخُلُهُ التَّأْوِيْلُ، وَيَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الاِحْتِمَالُ؛ كَالرُّؤْيَةِ، وَالصِّرَاطِ، وَالمِيْزَانِ، وَعَذَابِ القَبْرِ، وَنَعِيْمِهِ.
وَالأَصْلُ أَنَّ أَحْوَالَ اليَوْمِ الآَخِرِ مِنَ الأُمُوْرِ المُتَُعَلِّقَةِ بِالعِبَادِ لَا يَجُوْزُ إِنْكَارُهَا لِلْجَهْلِ بَكَيْفِيَّاتِهَا؛ كَبَعْضِ أَحْوَالِ الحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالصِّرَاطِ وَالمِيْزَانِ وَأوْصَافِهَا؛ لِأَنَّ الجَهْلَ بِتَصَوُّرِ الكَيْفِ فِيْمَنْ يَجُوْزُ عَلَيْهِ الكَيْفُ لَا يَنْفِي الأَصْلَ، وَيَكْفِي لِإِثْبَاتِ كَيْفِيَّاتِ هَذِهِ الغَيْبِيَّاتِ وَالإِيْمَانِ بِهَا الأَدِلَّةُ الظَّنِيَّةُ.
*********************
· مَا يَجِبُ الإِيْمَانُ بِهِ فِيْ حَقِّ الأَنْبِيَاءِ:
وَيَجِبُ الإِيْمَانُ بِالأَنْبِيَاءِ- عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَبِالكُتُبِ الَّتِيْ أُنْزِلَتْ مَعَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله}(البَقَرَةُ:285)، وَنُؤْمِنُ بِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُهُمْ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ، وَهُمْ: سَيّدُنَا آدَمُ وَإِدْرِيْسُ وَنُوْحٌ وَهُوْدُ وَصَالِحُ وَلُوْطُ وَإِبْرَاهِيْمُ وَإِسْمَاعِيْلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوْبُ وَيُوْسُفُ وَشُعَيْبٌ وَهَارُوْنُ وَمُوْسَى وَدَاوْدُ وَسُلَيْمَانُ وَأَيُّوْبُ وَذَوْ الكَفْلِ وَيُوْنُسَ وَالْيَسَعُ وَإِلْيَاسُ وَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَعِيْسَى وَسَيِّدُ الخَلْقِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ- صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِيْنَ-، وَأَوَّلُهُمْ نُزُوْلَاً سَيِّدُنَا آَدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَآَخِرُهُمْ نُزُوْلَاً وَأَوَّلُهُمْ مَنْزِلَةً سَيِّدُنَا مُحَمِّدٌ -r-.
وَكَذَلِكَ نُؤْمِنُ بِالأَنْبِيَاءِ جُمْلَةً الَّذِيْنَ لَمْ يَرِدْ لَهُمْ ذِكْرٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك}(غَافِر: 78 ) .
وَيَجِبُ الاِعْتِقَادُ: أَنِّ الأَنْبِيَاءَ- عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَهُمْ خُصُوصِيَّةُ الوَحْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلىَّ أنما إلهكم إله واحد}(الكَهْفُ:110)، وَأَنَّهُ لَا يَجُوْزُ عَلَيْهِمْ أَيُّ صِفَةٍ تُنَاقِضُ هَذِهِ الخُصُوْصِيَّةَ، كَالكَذِبِ وَالكِتْمَانِ لِشَيْءٍ مِنَ الوَحْيِ وَالخِيَانَةِ وَالغَبَاوَةِ وَالقََدْحِ فِي أَنْسَابِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمُ الطَّاهِرَةُ؛ بَلْ يَجِبُ لَهُمُ الصِّدْقُ وَالتَّبْلِيْغُ وَالأَمَانَةُ وَالفَطَانَةُ، وَكُلُّ وَصْفٍ تُوجِبُهُ خُصُوْصِيَّةُ الوَحْيِ.
وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ نَسَبَهُمْ مِنْ أَطْهَرِ الأَنْسَابِ وَعَلَى رَأْسِهِمْ نَسَبُ سَيِّدُنَا رَسُوْلُ اللهِ - r-، وَنُؤْمِنُ أَنَّ حُبَّ وَمَوَدَّةَ آلِ بَيْتِ رَسُوْلِ اللهِ -r- مِنْ أَوْجَبِ الوَاجِبَاتِ ، وَأَقْرَبِ القُرُبَاتِ ، وَلَا يُبْغُضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ ، وَلَا يُحِبُّّهُمْ إِلَّا تَقِيُّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة فى القربى}( الشُّوْرَى: 23 ) .
وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -r- كُلُّهُمْ عَلَى الخَيْرِ، وَنُفَضِّلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَنُحِبُّ عُثْمَانَ وَعَلِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِيْنَ-؛ لِقَوْلِهَ تَعَالَى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه}(التَّوْبَةُ : 100 ).
وَنُؤْمِنُ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُبْعَثُوا فِي كُلِّ زَمَنٍ مِنَ الأَزْمِنَةِ ؛ بَلْ هُنَاكَ أَزْمِنَةٌ خَلَتْ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{لتنذر قوما ما أنذر ءاباؤهم فهم غافلون}(يس:6)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يا أهل الكتاب قد جائكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل}(المَائِدَةُ: 19) وَأَنَّ أَهْلَهَا نَاجُوْنَ- بِإِذْنِ اللهِ - وَمِنْهُمْ وَالِدَا المُصْطَفَى- r- ([15]) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}(الإِسْرَاءُ : 15 )
وَنُؤْمِنُ أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا بِلِسَانِ أَقْوَامِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}( إِبْرَاهِيْمُ : 4 ) .
وَنُؤْمِـنُ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ- عَلَيْهِـمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَحْيَاءٌ فِي قُبـُوْرِهِمْ ([16])، وَأَنّهُمْ خَيْرٌ بَدَأَ وَلَنْ يَنْقَطِعَ؛ بَلْ خَيْرُهُمْ وَاصِلٌ إِلَيْنَا بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ أَدِلَّةٌ وَشَوَاهِدُ كَثِيْرَةٌ ([17]) .
وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
وَكَتَبَهُ :
خَادِمَا العِلْمِ الشَّرِيْفِ:
د. مُحَمَّدُ صُبْحِي العَايْدِيّ
د. رَبِيْعُ صُبْحِي العَايْدِيّ
بِتَارِيْخِ : [ 15/ 5 /2004 م ] .
__________________________________________________ _______________________
__________________________________________________ ___________
_________________________________________________
(1)هَذَا الأَصْلُ يُعْتَبَرُ ضَابِطَاً لِكُلِّ مَا يَجِبُ وَصْفُهَ تَعَالَى بِهِ ، وَمَا يَجِبُ تَنْزِيْهُهُ عَنْهُ .
([2]) نَفَى هُنَا : أَنْ يَكُوْنَ وُجُوْدُهُ تَعَالَى وُجُوْدَاً ذِهْنِيَّاً ؛ بَلْ هُوَ تَعَالَى ذَاتٌ لَهَا تَحَقُّقٌ فِي خَارِجِ الذِّهْنِ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتٍ حَقِيْقِيَّةٍ .
([3]) التَّخَيُّــلُ : هُــوَ تَصَوُّرُ المَحْسُوْسَاتِ ، وَاللهُ تَعَالَى لَيْسَ مِنْ جِنْسِ المَحْسُوْسَاتِ ؛ فَلَا يَصِحُّ تَخَيُّلُهُ مُطْلَقَاً .
([4]) التَّعَقُّــلُ : هُوَ إِدْرَاكُ المَعْقُوْلَاتِ ، وَاللهُ تَعَالَى تُدْرَكُ عَنْهُ بَعْضُ المَعَانِي الكُلِّيَّةِ ؛ فَيَصِحُّ نِسْبَتُهَا إِلَيْهِ .
([5]) لِأَنَّ التَّسَلْسُلَ فِي المَاضِيْ وَهْمٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُجُوْدِ المَفْرُوْضِ الأَوَّلِ .
([6]) لِأَنَّ بَقَاءَهُ تَعَالَى ذَاتِيُّ لَا زَمَانِيُّ ، وَنَعْنِيْ بِـالذَاتِيّ : أَيْ مِنْ ذَاتِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ الحَادِثَاتِ .
([7]) هَـذَا ضَابِطٌ عَامُّ فِي إِدْرَاكِ كَوْنِهِ تَعَالَى لَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكْتَمِلْ بِخَلْقِهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ ؛ بَلْ هُـوَ كَامِلٌ كَمَالَاً مُطْلَقَاً قَبْلَ خَلْقِ الخَلْقِ ، وَهُوَ الآَنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ لَــمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئَاً.
([8]) أَيْ : مِنَ انْتِظَامِ الكَوْنِ وَتَنَاسُقُهِ .
([9]) بِأَنْ يَأْخُذَ الإِلَهُ الأَوَّلُ نِصْفَ العَالَمِ تَصَرُّفَاً أَوْ خَلْقَاً ، وَالآخَرُ نِصْفَهُ الثَّانِي ، وَلَوْ عَنِ اتِّفَاقٍ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَهَاً ؛ لِأَنَّ الإِلَهَ يَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ مُطْلَقَ القُدْرَةِ وَالتَّصَرُّفِ فَيْ جَمِيْعِ المُمْكِنَاتِ لَا فِيْ بَعْضِهَا دُوْنَ بَعْضٍ ، وَهُوَ يَتَنَافَى مَعَ الكَمَالِ المُطْلَقِ.
(10)وكما شهد النقل بعموم علمه كذا يشهد العقل ،لأن العلم كمال محض له تعالى فلو كان علمه تعالى يختص ببعض المعلومات دون بعض كان لا بد له من مخصص فيكون سبحانه محتاجا في كماله لمن حدده وخصصه بعلم شيء دون شيء ،والله تعالى لا يفتقر ولا يحتاج إلى أحد البتة .فثيت عموم علمه و‘حاطته بجميع الأشياء .
(11) كَمَا أنَّ السَّمعَ غيرُ البصر ، ومعنى (غير) بمعنى أنَّ انكشافَ العلمِ يغايرُ الانكشافَ الحاصلُ بالسَّمعِ والبصر ، كما أنَّ الانكشافَ الحاصل بالسَّمعِ يغايرُ الانكشافَ الحاصلَ بالعلم.
([12])وقد اكتفى بعض العلماء بهذا الدليل النقلي في إثباتهما ، والبعض ذكر دليلا عقليا على ذلك فقال : السمع والبصر صفتا كمال لله تعالى ،ولو لم يتصف بهذا الكمال لاتصف بالنقص والنقص عليه محال ،فالواجب اتصافه بهما .
([13]) لأن الله تعالى ليس جسما ليكون له جوف حاشاه تعالى . ودلَّ على وجوب نفي ذلك قوله تعالى : (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )
([14]) الحرف والصوت منفيان عن كلامه تعالى لأنهما نقص ذلك أنهما لهما بداية ونهاية وتقديم وتأخير وكلهما من صفات الخلق التي لا تجوز عليه تعالى . لأن الله تعالى يوصف بكل كمال وننفي عنه سبحانه وتعالى كل نقص. .
([15]) وَمَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيْثَ آحَادٍ وَِإِنْ صَحَتْ سَنَدَاً ؛ إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى المُحْكَمِ مِنْ آيَاتِ القُرْآنِ الكَرِيْمِ .
([16]) وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى حَيَاتِهِمُ البَرْزَخِيَّةَ أََحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ صَحِيْحَةٌ ؛ مِنْهَا مَا وَرَدَ فِيْ صَحِيْحِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - r - ، أَنَّهُ قَالَ: [مَرَرْتُ عَلَى مُوْسَى وَهُوَ يُصَلِّيْ فِيْ قَبْرِهِ ] .
([17]) خَيْرُهُمْ فِيْ حَيَاتِهِمْ شَهِدَتْهُ الدُّنْيَا إِلَى أَيَّامِنَا هِذِهِ ، كَيْفَ لَا ، وَاللهُ يَقُوْلُ عَنِ النَّبِيِّ - r- : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وَأَمَّا