الحمد لله الذي خص هذه الأمة بالإسناد، ومنَّ علينا بالهداية والرشاد وجعل العلماء ورثة الأنبياء، وسراجاً منيراً لدى الحوالك يُقتبس من نورهم الضياء، وزين أفئدة المخلصين منهم، ووصل من سعى إليه وإلى بابه وصل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سند المكارم وأصل كل منقبة شذية وطريقة مرضية، وعلى آله وأصحابه وأعلام أمته الأبرار، الذين جعلوا طرق الهدى مشرقة كالشمس في رابعة النهار وبعد:
فإنه لا يخفى على أهل العنايات والكمالات أن الإسناد مطلوب في الدين قد رغَّبت إليه أئمة الشرع وخاصة المُحَدِّثين، بل جعلوه من خصائص أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وحكموا عليه أنه أصل من سنن الدين، إذ فيه حفظ نسب الأرواح، المقدم بالشرف على نسب الأشباح، وكانت عناية الأمم قديماً وحديثا بالأنساب، فكان الدعي غير منسوب، والمنسوب مطلقا محسوب ، وكان أشد عناية بهذا الأمر من صَدَقَ وصَدّقَ فأدركته العناية.
والسند:
هو إخبار عن طريق المتن وطريقهُ الرواة ،
وأما المتن فهو ما انتهى إليه السند من الحديث، ويطلق السند على رجال الحديث فيقال: مُسنِد العصر والإسناد يطلق بمعنى السند وبمعنى رفع الحديث إلى قائله ،وهو بهذا المعنى من خصائص هذه الأمة واختص هذا العلم بالحديث دون القرآن لأن القرآن الكريم محقق مقطوع به لا يمكن أن يزاد فيه أو ينقص منه، فالاحتجاج به غني عن الطرق الموصلة إلى التحقق منه وأما الحديث النبوي فإنه لما لم يكن معجزاً بلفظهِ مبايناً لكلام المخلوقين، ولم يكن جميعه متواتراً مقطوع به كالقرآن، أمكن أن يدخل فيه ما ليس منه من افتراء الكذابين ووضع الوَضَّاعين ،بل وَوَهْمِ غيرهم من العدول الصادقين فقيض الله عز وجل للدفاع عن سنة رسوله صلى الله عليه وآله والذود عن شريعته أهل الحديث زادهم الله تعالى شرفاً وفضلاً ونضارة كيف لا وقد خصهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدعاء فقال:" نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأدها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع"، قال شيخ شيوخنا سيدي أبو اليسر عبد العزيز الغماري رحمه الله :" ذكر هذا الحديث السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة من رواية ستة عشر صحابياً وزاد عليه الكتاني بالنظم المتناثر عائشة وأبا هريرة وشيبة بن عثمان واقتصر الزبيدي في اللآلئ المتناثرة على ما في الأزهار " قال: وزاد شقيقنا – أحمد بن الصديق – في المسك التبتي بتواتر حديث نضر الله امرءاً سمع مقالتي حديث ابن عباس أسنده الذهبي في ترجمة ابن رميح من التذكرة فوصل عدد رواة هذا الحديث إلى عشرين صحابيا " ا.هـ.
ومدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل الحديث فقال:" لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمـر الله وهـم ظاهرون على النـاس(1)
وأخرج الحاكم بسند صحيح عن الإمام أحمد أنه قال إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟" ومن طريق يزيد بن هارون مثله فقال الترمذي سمعت محمد بن إسماعيل هو البخاري يقول : سمعت علي بن المديني يقول: هم أهل الحديث.
وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (2)
وفي هذا الحديث بيان عدالة أهل الحديث.
وحدثنا شيخنا أبو الفضل أحمد بن منصور قرطام حفظه الله قال: حدثني شيخي محمد الشاذلي النايفر عن والده الشيخ الصادق النايفر عن الشيخ المعمر الطيب النايفر أنه سمع الشيخ إبراهيم الرياحي التونسي يقول:
أهل الحديـث طويلـة أعمارهـم
ووجوههم بِدُعا النبي منضرة
وسمعت من بعض المشايخ أنهم
أرزاقـهم أيضا بــه متكثرة
ويؤيد هذا ما نقله الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه الترخيص في الإكرام بالقيام لذوي الفضل والإنعام على سبيل التوقير والاحترام لا على سبيل الرياء والإعظام بسنده المتصل إلى أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي الحافظ يقول: أنشدنا عبد السلام الأديب لنفسه رحمه الله :
ألا إن خير الناس بعد محمد
وأصحابـه والتـابعين بإحسـان
أناس أراد الله إحـياء ديـنه
بحفظ الذي يروي عن الأول الثاني
فلولا أهل الحديث لدخل الدخيل في هذا الدين ووجد الملاحدة والدجالون وذوو الأغراض الفاسدة والقلوب المريضة ألف سبيل وسبيل للتلبيس على الناس وترويج الأباطيل في الأصول والفروع بما يضعونه من الأحاديث المنسوبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي تؤيد هواهم وآرائهم المزيفة لأجل هذا قال الحاكم النيسابوري: " لولا الإسناد، وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم عليه لدُرِسَ منار الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد فإن الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد كانت بكرا(3).
وقد نقل شيخ شيوخنا السيد الشريف عبد الحي الكتاني رحمه الله في كتابه فهرس الفهارس والأثبات ومعجم الشيوخ والمسلسلات عن القاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله تعالى في كتابه سراج المريدين أنه قال: " والله أكرم هذه الأمة بالإسناد ولم يعطه لأحد غيرها فاحذروا أن تسلكوا مسلك اليهود والنصارى فتُحدثوا بغير إسناد فتكونوا سالبين نعمة الله على أنفسكم مطرقين بالتهمة إليكم خافضين لمنزلتكم ومشتركين مع قوم لعنهم الله وغضب عليهم وراكبين لسننهم" ا.هـ
ويشهد لهذا ما نقله الذهبي في تذكرة الحفاظ والحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب والسيوطي في تاريخ الخلفاء والعلامة مُلا علي القاري في الموضوعات وغيرهم عن ابن عُلية وإسحاق بن إبراهيم قالا: أخذ هارون الرشيد زنديقاً فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لمَ تضرب عنقي؟ قال: لأريح العباد منك، فقال: يا أمير المؤمنين، أين أنت من أربعة آلاف حديث وضعتها أحرم فيها الحلال، وأحلل فيها الحرام ما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرفا منها، فقال له الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها تنخيلاً فيخرجانها حرفاً حرفا" أ.هـ.
ومثله ما نقله ياقوت الحموي في معجم الأدباء والتاج السبكي في طبقات الشافعية، والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، والسخاوي في الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ عند ترجمتهم للخطيب البغدادي :" أنه في سنة 447هـ في عهد الخليفة العباسي العادل الصالح القائم بأمر الله أظهر بعض اليهود كتاباً ادعوا أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل خيبر من اليهود لإسقاط الجزية عنهم وفيه شهادة بعض الصحابة وذكروا أنه خط سيدنا علي رضي الله عنه وجاءوا بالكتاب إلى رئيس الرؤساء أبي القاسم علي بن الحسن وزير القائم بأمر الله فعرضه رئيس الرؤساء على الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى فتأمله ثم قال: هذا كذب مزور، فقيل له من أين لك هذا؟ قال: فيه شهادة معاوية وهو إنما أسلم عام فتح مكة، وكان فَتْحُها في سنة ثمانٍ من الهجرة، وفتح خيبر في سنة سبع من الهجرة، وفيه شهادة سعد بن معاذ رضي الله عنه وهو قد مات يوم بني قريظة قبل فتح خيبر بسنتين، فاستحسن ذلك منه الوزير واعتمده وأمضاه ورد اليهود شرَّ ردٍ لظهور تزوير الكتاب" ا.هـ
فيظهر من ذلك أن الله عز وجل قيض أهل الحديث زادهم الله تعالى شرفاً وفضلاً للدفاع عن سنة رسوله صلى الله عليه وآله والذود عن شريعته ، فقاموا بذلك خير قيام حيث أمدهم وأعطاهم وأعانهم ووفقهم في السعي المتواصل، والرحلة الطويلة والصبر على مفارقة الأهل والأوطان، وركوب الصعاب والذلول، وطرح الراحة وتحمل المشاق وبذل المال والمهج والأنفس، دون تقاعس أو كسل بل بهمة عالية منقطعة النظير فكم سار المُحدِّثون ليلاً ونهاراً، وكم تحملوا وكم تعبوا، وكم دخلوا من المدن والأمصار حتى يحصلوا على السماع واللُّقى، منْ أجل إبقاء هذه الخصوصية في هذه الأمة، ولأجل ذلك وتحريضاً على طلب العلوم بأسانيدها إلى قائليها، وعدم التهاون في تحصيلها من منابعها الأصلية قال الإمام الشافعي: " مثل الذي يطلب الحديث بِلا إسناد كمثلِ حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيها أفعى وهو لا يدري..(4) ا.هـ
وقال عبد الله بن المبارك:" الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " وقال أيضا" مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم(5)
وقال سفيان بن سعيد الثوري:" الإسناد سلاح المؤمن فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يُقاتل(6) ا.هـ
وقال الحاكم النيسابوري: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا أبو بكر ابن الأسود حدثنا إبراهيم أبو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة أحد الضعفاء المتروكين، وعنده الزهري، فجعل ابن أبي فروة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.... فقال له الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة ما أجرئك على الله لا تسند حديثك! تحدثنا بأحاديث ليس لها خُطم ولا أزمة، ومعناه أن الخطام والزمام كلاهما مما ينقاد به البعير، ووجه الشبه بين الأسانيد والخطم والأزمة: الضبط والتعرف...".
وكان الإمام مالك رضي الله عنه من أشد الناس تحرياً في أخذ الحديث ويظهر ذلك جلياً فى قوله: أدركت سبعين ممن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو أؤتمن أحدهم على بيت مال لكان أميناً، لم آخذ عنهم لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن" لأجل هذا قال يحيي بن سعيد القطان ويحيي بن معين:" مالك أمير المؤمنين في الحديث، على أنه لم يكن واسع الرواية لأنه لم يرحل إلى البلدان والأقطار كما رحل غيره من الحفاظ ولم يبارح المدينة المنورة إلا للحج لكنه كان شديد الإتقان بالغ التحري، مبرزا في نقد الرجال؛"
قال الترمذي في العلل سمعت إسحاق بن موسى الأنصاري قال: سمعت معن بن عيسى يقول: كان مالك بن أنس يشدد في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الياء والتاء ونحوها" ا.هـ
فمن هذا يتبين أنه لا بد لطالب العلم الحريص، من الإصرار على السعي والطلب لكي يتصف بهذه الخصوصية وأن يطلب العلم عمن يسنده، فإن فيه الحجة، لأنهم أجمعوا على أن من يتصدر للعلم والتدريس ليس له إلا خياران: إما أن يكون ناقلاً أو مدعياً مجتهداً، فإن كان ناقلاً فعليه بصحة النقل وصحة النقل لا تكون إلا بالإسناد، وإن كان مدعياً فعليه بالحجة، ولولا الإسناد لما كانت الحجة.
قال شيخ شيوخنا سيدي أبو الفضل عبد الله بن الصديق الغماري:" السند بالنسبة للعالِم يتصل به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالسلسلة التي يتصل بعضها ببعض فإذا ما تحرك تحركت معه السلسلة فمن أُعْطِىَ السلسلة بورك له في علمه والعالم الذي لديه علم ولا يتصل به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى واضع ذلك العلم فإنه كالحلقة المنفصلة عن السلسلة فإذا ما تحرك، تحرك وحده ومهما طال الزمن أو قصر فإنه قد يُحرم بركة علومه والبركة شيء معنوي تظهر آثارها على من كان متصلاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومتبعاً له.
وقالوا: إن من تعلم ووصل إلى درجةٍ عاليةٍ من العلم وفتح عليه بإلهام من الله فعليه أن يدخل تحت السند تأدباً مع صاحب الشريعة لأنه لو كان هناك أحد مستغنياً عن السند لكان حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومع هذا فإنه تلقى عن جبريل عليه السلام رغم أن نبينا أفضل منه عن اللوح المحفوظ عن رب العزة سبحانه وفي تلقي الفاضل عن المفضول يكمن سر الشريعة الإسلامية ورحم الله القائل:
كتـاب الله أفضـل قيــل
رواه محـمد عن جبرائيل
عن اللوح المحيط بكل مسلم
من العلم الرفيع عن الجليل
فالارتحال في طلب الإسناد سنة مطلوبة في الدين كما قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، هذا إن كان السند موجوداً في بلده فإن لم يكن موجوداً في بلده فالارتحال إليه فرضٌ كفائي.
قال الإمام يحيي بن معين:" الإسناد العالي قرب من الله ورسوله..". وقيل له في مرض موته: ماذا تشتهي؟ قال: بيتُ خالٍ وسندٍ عالٍ..".
ولله در القائل:
إذا عالمٌ عالى الحديث تسامعوا بــ
ـه وجاءه القاصى من القوم والداني
وساروا مسير الشمس في جمع علمـ
ـه فأوطانهم أضحـت غير أوطـان
طرق الرواية:
ولما للإسناد من هذه الأهمية فقد قال يزيد بن زُريع(7)
:" لكل دين فرسان وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد ولها طرق في التحمل والتبليغ وللرواية مراتب، سماع الراوي قراءة المحدث للكتاب الذي رواه أو الحديث. وسماع الشيخ، ثم مناولة الشيخ للكتاب الذي رواه عن شيخه، ثم إجازة الطالب أن يحدث عنه بالكتاب الذي رواه وإباحة ذلك.
فأما السماع(Cool
من الشيخ فينقسم إلى إملاء، وتحديث من غير إملاء، وسواء كان من حفظه أو من كتابه وهذا القسم من أرفع الأقسام عند الجماهير.
فالأصل فيه حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم"(9).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:" نضر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها فأداها كما سمعها(10).
وأما العرض: وهو أن يعرض القارئ على الشيخ ما قرأه كما يعرض القرآن على المقرئ.
فالأصل فيه حديث ضُمام بن ثعلبة رضي الله عنه الثابت في الصحيح أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس قال: نعم...(11).
فهذه قراءة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أخبر بذلك ضُمامُ قومَه.
قال يحيي بن عبد الله بن بُكير(12):" لما عرضنا الموطأ على مالك قال له رجل من أهل المغرب: يا أبا عبد الله أُحدث به عنك وأقول: حدثنا مالك؟ قال: نعم، حدثوا به عني وقولوا حدثنا مالك".
وأما المناولة: وهو أن يدفع الشيخ أصل سماعه، أو مقابلاً به، ويقول: هذا سماعي أو روايتي عن فلان فأروه، أو أجزت لك روايته عني" ا.هـ
والأصل فيها حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح "حيث كتب لأمير السرية كتاباً وقال له لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم(13).
فهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ناول أمير السرية كتابهُ ولم يقرأهُ ولا عرضه أمير السرية عليه ثم إن الأمير قرأه على السرية فامتثلوا لما في الكتاب وأخذوا به وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرضيه وأقرَّ به وقامت بذلك الحجة.
وأما الإجازة: وهي أن يأذن الشيخ لغيره بأن يروي عنه مروياته أو مؤلفاته وقد اختلف العلماء في جوازها وإبطالها، فقد أجازها أكثر أهل العلم كربيعة ويحيي بن سعيد الأنصاري وعبد العزيز بن الماجشون وسفيان الثوري والأوزاعي وسفيان بن عيينة والليث بن سعد واختلفت الرواية فيها عن مالك والمشهور عنه جوازها وعلى ذلك أصحابه الفقهاء لا يُعلم أحد منهم خالفه.
ولقد ألف بعض العلماء في خصوص الكلام على الإجازة منهم
أبو العباس الوليد بن مَخْلِدْ الأندلسي تأليفا سماه ( الوِجازة في صحة القول بالإجازة ).
وألف الحافظ ابن عبد البر تأليفا سماه ( الجامع لبيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله ).
وألف الخطيب البغدادي كتابه ( الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع ). وغيرهم كثير ا.هـ.
وبناءاً على ما سبق والتزاماً بما قرره سلف هذه الأمة يسرنا في جمعية آل البيت للتراث والعلوم الشرعية أن نضع بين يدي الزائر الكريم، وطالب العلم الحريص سلسلة من الدروس(الصوتية) في علم الإسناد والتي كانت مقدمة لشرح موطأ الإمام مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي لفضيلة العلامة / أبو الفضل أحمد بن منصور قرطام المالكي حيث قال :
أروي أنا العبد الفقير إلى الله أبو الفضل أحمد بن منصور بن قرطام الفلسطيني المالكي مذهباً كتاب موطأ الإمام مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي عن الشيخ المعمر محمد الشاذلي النيفر المالكي وهو يروي عن والده محمد الصادق النيفر المالكي وهو يروي عن مسند تونس وصالحها الشيخ المعمر العلامة محمد الطيب النيفر المالكي عن أحمد منة الله المالكي المكي الشباسي عن محمد الأمير الكبير المالكي عن شيخه أبو الحسن علي بن محمد العربي السقاط المالكي عن شارحه محمد الزرقاني المالكي عن والده عبد الباقي الزرقاني المالكي عن النور الشيخ علي الأجهوري المالكي عن الشيخ محمد بن أحمد الرملي الشافعي عن شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري عن الحافظ أمير المؤمنين في الحديث أحمد بن حجر العسقلاني صاحب التصانيف المشهورة عن نجم الدين محمد بن علي بن عقيل البالسي عن محمد بن علي المكفي عن محمد بن الدلاصي عن عبد العزيز بن عبد الوهاب بن إسماعيل عن جده إسماعيل بن الطاهر عن محمد بن الوليد الطرطوشي الأندلسي عن سليمان بن خلف الباجي عن يونس بن عبد الله بن مغيث عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن يحيى بن يحيى القرطبي عن عم أبيه أبي مروان عبيد الله بن يحيى عن أبيه يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي وأطلق عليه لقب الليثي لأن جده الأعلى رسلان أسلم على يدي يزيد بن عامر الليثي وهو يروي عن مالك بن أنس الأصبحي الحميري ساكن المدينة - على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم - إلا ما فاته من سماعه عن مالك أو شك فيه، ثلاثة أبواب في ورقة من آخر باب الاعتكاف وهي باب خروج المعتكف إلى العيد وباب قضاء الاعتكاف وباب النكاح في الاعتكاف فرواها عن زياد بن عبد الرحمن المعروف بابن شبطون عن إمام الأئمة وشمس الأمة الإمام مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله وهو يروي عن نافع عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
نفعنا الله وإياكم بأسرار كتابه وفقنا الله وإياكم للوقوف مع آدابه وجمعنا الله وإياكم في زمرة النبي الأمي الكريم صلى الله عليه وآله.
وصلِ اللهم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين وعلى من اهتدى بهديهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ــــــ
[1"> رواه البخاري وأحمد عن معاوية ومسلم عن ثوبان بمعناه.
[2"> رواه البيهقي في المدخل، ورواه الخطيب البغدادي في كتاب " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " 1/163.
[3"> ذكر ذلك الإمام أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في كتابه معرفة علوم الحديث ص6، والحاكم من أكابر الحفاظ المصنفين، توفي سنة 405 هـ.
[4"> ذكر هذا المناوي في فيض القدير ( 1/433 ).
[5"> ذكر هذا في مقدمة صحيح مسلم ( 1/87 ) وتذكرة الحفاظ ص 1054، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص 16.
[6"> ذكر هذا عن سفيان: الإمام المحدث العالم محمد بن عبد الرحمن السخاوي في شرح ألفية العراقي ص 335.
[7"> يزيد بن زريع أبو معاوية السدوس ثقة ثبت توفي سنة 182هـ ترجم له في التاريخ الصغير للبخاري 2/828، وتهذيب التهذيب 11/325، وتاريخ الثقات للعجلي ص 478.
[8"> انظر مقدمة ابن الصلاح ص62.
[9"> أخرجه أبو داوود في كتاب العلم باب فضل نشر العلم حديث رقم (3659) من طرائق الأعمش وهو سليمان بن مهران، قال الحافظ ابن حجر ثقة حافظ عالم بالقرءات ورع لكنه يدلس التقريب:1/392 أخرجه أحمد في مسنده في مسند بن هاشم.
[10"> أخرجه الترمذي في كتاب العلم (7) باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع حديث ( 2665) وقال حديث زيد بن ثابت حديث حسن وحديث ( 2666 ) وقال: هذا حديث حسن صحيح وحديث ( 2667 ) برواية عبد الله بن مسعود ويحدث عن أبيه، أما الحديث الأول برواية أبان بن عثمان يحدث عن أبيه، نضَّر: أي نعمه، والمراد البريق وحسن الوجه.
[11"> انظر الحديث تاما في صحيح البخاري كتاب العلم باب ما جاء في العلم وقوله تعالى:" وقل ربي زدني علما ".
[12"> يحيي بن عبد الله بن بُكير المخردمي المصري، سمع مالكا والليث وخلقا كثيرا توفي سنة 231هـ وترجم له في الديباج المذهب ص435 ، وتهذيب التهذيب 11/237.
[13"> رواه الإمام البخاري في كتاب العلم باب ما يذكر في المناولة.